رغم ان كوارث العراق كثيرة ولا تحصى الا ان اكثرها ايلاما ومأساة تلك التي وقعت في شهر آب من عام 1990 وآب 2014 ، حيث دفع فواتيرها شعب العراق مالا ودموعا ودماءً، والعجيب ان الكارثتين تنبعان من ذات النهج والتفكير الشمولي والعقائدي الاقصائي، ففي الأولى قرر شخص واحد ان دولة بأكملها شعبا وتاريخا وحضارة يجب الحاقها كمحافظة من محافظاته التي كانت تأن تحت وطأة العبودية، وخلال ساعات ورغم انف كل الحكماء والعقلاء وتهديدات الأعداء ونصائح الأصدقاء غزا الكويت بشكل همجي بربري، وضمها الى مملكة الفقر والرعب والإرهاب في سابقة لم تحصل منذ الحرب العالمية الثانية.

وقد أدت عملية غزو الكويت الى تدمير العراق ومنشآته الصناعية والزراعية والثقافية والعلمية والبنى التحتية من الطرق والجسور ومحطات الكهرباء والماء وكل المعامل المنتجة على مختلف اختصاصاتها، ناهيك عن مقتل مئات الالاف وتدمير الجيش العراقي كليا واخراجه عن الخدمة الفعلية خاصة في قواته الجوية والمدرعة والصاروخية، وقد دفع العراق منذ ثلاثين عاما أكثر من خمسين مليار دولار تعويضات للكويت وما يزال يدفعها مقطوعة من افواه أبنائه وبناته!

ولأن نهج ذلك النظام الذي تسبب بتلك الكارثة كان مزروعا في عقول من اتبعوه أو ايدوه، خاصة أولئك الذين استقدمهم قبل اسقاط نظامه، وهم عدة الاف من الإرهابيين العرب والمسلمين من كل اصقاع العالم وجلهم من تنظيمات القاعدة والفرق المتطرفة والمتشددة دينيا او قوميا، حيث انشأ لهم معسكرات وتدريبات لمساعدته في مقاومة التحالف الدولي والعمل خلف خطوط العدو، وحينما سقطَ (داحت) تلك المجاميع من المنحرفين ونظمت نفسها تحت قيادات قاعدية الأصل انشقت لتؤسس عصابة جديدة أصبحت فيما بعد ما يسمى بتنظيم الدولة الإسلامية داعش التي انظم اليها الكثير من الضباط وعناصر المخابرات والاستخبارات والامن الخاص للنظام وبقايا فدائيو صدام.

ومع ضعف النظام السياسي الجديد ومناكفاته وفساد قياداته وخصوماتهم فيما بينهم استطاع التنظيم وبالتعاون مع مفاصل مهمة في الحكومة الاتحادية وملحقاتها ان يسيطر على محافظات نينوى والانبار وصلاح الدين وأجزاء من كركوك واقترب من ثغور كوردستان، لكي يوقع واحدة من ابشع جرائم العصر في سنجار او شنكال كما يطلق عليها اهاليها، وهي مدينة تقع الى الشمال الغربي من مركز الموصل بحدود 120 كم، وتضم غالبية ايزيدية كوردية، حيث وقعت الكارثة الثانية والتي تعدت في تفاصيلها وماسيها كل ما حدث من حروب في التاريخ المعاصر، حيث غزت مجاميع من شذاذ الافاق والأخلاق والأديان مدينة آمنة تضم بين ثناياها اكبر الديانات في العراق وكوردستان بعد الإسلام والمسيحية، الا وهي الايزيدية، وخلال أيام قلائل من اجتياح المدينة وقراها تم قتل واختطاف الاف المواطنين من الرجال والنساء والأطفال، وحسب هذه الإحصائية المعتمدة من قبل الأمم المتحدة والحكومتين العراقية والكوردستانية، وكنتائج لجريمة الإبادة الجماعية التي ارتكبتها داعش أو ما يسمى بـ ( تنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام ) بحق الإيزيديين بتأريخ 03-08-2014 حيث تم توثيق الجرائم والانتهاكات التي طالت مدينة سنجار واطرافها وبالأرقام وحسب الجدول الاتي:
عدد الشهداء في الايام الاولى من جريمة الابادة 1293 شهيد من الشباب والشيوخ.
عدد المختطفين 6417 منهم: الاناث 3548 والذكور 2869 وغالبيتهم من الأطفال.
عدد الايتام الذين فقدوا ابائهم وامهاتهم 2745 يتيم ويتيمة.
عدد المقابر الجماعية المكتشفة في المدينة واطرافها حتى الان 83 مقبرة جماعية، إضافة الى العشرات من القبور الفردية.

عدد المزارات والمراقد الدينية التي ازيلت من الوجود من قبل داعش 68 مزار ومعبد.

عدد النازحين بلغ نحو 360,000 نازح، وهم جميع سكان القضاء.
عدد الذين هاجروا منهم الى الخارج يقدر تقريباً بمائة ألف نسمة .
وإثر ذلك تم تشكيل خلية ازمة من قبل حكومة كوردستان أطلق عليها مكتب تحرير المختطفين، حيث استطاعت ومنذ 2015 وبمختلف الوسائل انقاذ الكثير من النساء والأطفال وحسب الجدول ادناه:

مجموع المحررين والمحررات 3530 منهم 1199 من النساء و339 من الرجال و1041 من الأطفال الذكور و951 من الأطفال الاناث، وما يزال هناك أكثر 1308 من النساء و1579 من الرجال مفقودين ويتم البحث عنهم.
وبين 2 آب 1990 و3 آب 2014 تمتد خيوط الكوارث التي نسجها الفكر المتطرف والعنصرية القومية البغيضة والطائفية المقيتة، والتي تمثلت بنظام شمولي لا يقبل أحدا غيره، ومجاميع أصولية عمياء كفرت بكل القيم والمعاني السامية للإنسانية لتقترف ذات الجرم او الغزو الذي قام به صدام حسين في الكويت وقبلها في كوردستان وانفالاتها وتقود البلاد والعباد الى كوارث ستبقى نتائجها وجروحها لعشرات السنين القادمة!

ملاحظة: هذه الاحصائيات من مكتب انقاذ المختطفين الايزيديين في حكومة إقليم كوردستان وهي معتمدة لدى الأمم المتحدة ولا تشمل الخسائر المادية في الأملاك والأراضي والثروة الحيوانية والزراعية والسيارات والاليات الزراعية والمعامل.