لقد استخدمنا هذا المثل عنوانا لمقالنا الثاني عن نفس الظاهرة المتجددة مع استمرار الفوضى في معظم مفاصل الحياة السياسية والادارية والامنية والاعلامية في العراق، ولا تكاد تختلف يوم وصفناها بمعاني هذا المثل الدارج الجميل، بل بتطابق كبير وتضخم اكبر، فما زال اداء معظم الفضائيات والاذاعات العراقية في مرحلة الاداء الدعائي، ولم يرتق الى مستوى الاداء الاعلامي بمفهومه المهني الرفيع، خاصة تلك الفضائيات التي تمول وتوجه من خارج العراق، حيث يظهر خطابها الدعائي من خلال برامجها المسماة حوارية وهي في حقيقتها خطاب دعائي تسقيطي لم يتجاوز صيغة التحقيق الامني او البوق الدعائي العدواني المليء بالسلبية وروح الكراهية، ويبدو ذلك جليا في الازمات الداخلية التي تستوجب اعلاما مهنيا وطنيا يعمل على ايقاف التشنج واشاعة الهدوء بدل المهاترات ولغة التكيل والتسقيط والفبركات الكاذبة من أجل تمرير مهمة معينة او التغطية على فضائح تزكم الانوف.
ولقد شهدنا الحملات الحوارية الموجهة والتي تستهدف احد طرفي النزاع وخاصة بين الاقليم والحكومة الاتحادية وكيف تنبري تلك المجموعات مما يسمى بالمحللين السياسيين او رؤساء ما يسمى بمراكز بحوث الديمقراطية او الخبراء الاستراتيجيين في كل الاخصاصات، وكأنها في ماراثون لتوزيع الطاقة السلبية وافراغها من جعبة تلك الاجهزة الدعائية باتجاه الاقليم وقياداته وهي مليئة بالكراهية والعدائية، وكلما استجدت ازمة جديدة يحضرني واحد من الأمثلة الشعبية الجميلة في العراق وتحديدا في مدينة الموصل وأطرافها، وقد أخذ معناه من كرنفالات العيد التي تضم الأطفال الذين يمارسون تحت مظلته في القرى والبلدات الصغيرة، ما هو غير معتاد في بقية الأيام، وربما الخارج عن السياقات العامة للصبية والفتيان، كالتدخين مثلا ولعب بعض الألعاب التي تشبه القمار وما شابه ذلك، مما يحرم عليهم في الأيام العادية، ويضرب هذا المثل عادة على الكبار الذين يمارسون أعمالا لا تليق بأعمارهم وتقترب من التفاهة مقارنة بما هم عليه من عمر زمني أو تأهيلي، ومفردة "عجايا" من الدارجة العراقية كثيرة الاستخدام في المناطق الغربية من العراق وخاصة الموصل، حيث تطلق على الصبيان الداشرين أي المنفلتين وغير المنضبطين من الذين ينتشرون في الأزقة والشوارع ويتسببون في إزعاج الأهالي أوقات الراحة صيفا أو شتاءً، وهي من جهة أخرى تستخدم بكثرة في وصف أي إنسان بغض النظر عن عمره يقوم بأعمال غير مسؤولة وخارجة عن الآداب العامة والتقاليد، وخاصة تلك التصرفات التي لا تخضع للتربية الاجتماعية وأعرافها، وما نشهده من سلوك الميليشيات لا يبتعد كثيرا عن هذه التوصيفات، مع جل الاحترام لبراءة الاطفال إزاء لؤم وخباثة تلك الميليشات السائبة.
وخلاصة القول هي أشبه ما تكون في المعنى من المثل القائل في فصيح الكلام "تمخض الجبل فولد فأرا" للدلالة على توافه الأعمال أو الأقوال أو كليهما معا، كما نراه اليوم في تهديد الولايات المتحدة وقصفها جدران منشآتها بقذائف بدائية، او ممارسات من تسلقوا مواقع في غفلة من هذا الزمن السيئ الذي يعيشه العراقيون تحت ظلال سلطتنا الديمقراطية جدا ومؤسساتها، سواء من كان منهم في مجلس نوابنا العجب، الذين ينطبق على معظمهم مثلنا أعلاه و"خصوصتن" كما تكتبها كثير من "نايبات" هذا البرلمان وبالذات أم الكعب العالي الشفاطة دون منازع أو مناصفة مع من تفتل الدنيا معها حينما تغرد باتجاه إقليم كوردستان، تلك العقدة التي يعاني وتعاني منها كثير من مسؤولي ومسؤولات هذا البلد في البرلمان أو الحكومة خاصة بعد زيارتهم للعاصمة اربيل ومقارنتها مع المفجوعة بهم بغداد وغيرها من مدن "الصد وما رد" كما يقول الدارج العراقي لمن يخرج من بيته ولا يعود أبدا!؟
أقول قولي هذا مستذكرا "العجايا" وعيدهم كلما نشبت أزمة أو تم تصنيع مشكلة مع إقليم كوردستان، حيث تنبري مجاميع معدة إعدادا مكتنزا بالكراهية والحقد في وسائل إعلام لا هم لها إلا "العد والصف" على طريقة النسوة السفيهات حينما يتعاركن على الطريقة المصرية، وتبدأ نافورة الشتائم والقذف والاتهامات وإشاعة الكراهية والأحقاد، دون أي وازع وطني أو أخلاقي يحافظ على اللحمة الوطنية والمزاج العام للأهالي ولا يخدش حياء الناس وأمنهم وسلمهم الاجتماعي، متمنيا لهم ما يريدونه هم لكوردستان في سرهم، في بلاد توصف بأنها ناس تجر بالطول وناس تجر بالعرض؟