ان توفير الحماية الخاصة لكبار السن امر مهم وضروري ذلك ان العالم اليوم يتطلب دعم هذه الفئة وحمايتها من اية مخاطر تتعلق بالمجتمع او الصحة او الخدمات او الرعايا او التمييز او عدم المساواة او العنف او غيرها من الاشكاليات التي قد يتعرضون لها داخل المجتمعات مما يهدد حقهم في الحياة او الصحة او التنقل او حتى التعليم او غيرها من الحقوق الاساسية، وقد اشارت منظمة الصحة العالمية ان العالم يشهد منذ عام 2015 وحتى العام 2025 زيادة كبيرة في نسبة الاشخاص الذين يشكلون فئة المسنين من خلال ارتفاع نسبة كبار السن من 12 بالمائة عام 2015 الى 22 بالمائة عام 2025 أي من 900 مليون الى 2 مليار مسن ( فوق عمر الستين) في العالم وهذا المؤشر يدعو الى ضرورة تعزيز وتوفير الرعايا والخدمات الاجتماعية والقانونية والصحية والانسانية عموما، من خلال المجتمع الوطني والدولي، ما يتطلب اتخاذ اجراءات اشارت اليها المنظمة كتوفير الامان والحرية والدعم الاجتماعي وبرامج منع ايذاء المسنين والبرامج الصحية وتنمية مجتمعية، ومن الطبيعي ان هذه الاجراءات تتصل بدور المجتمعات لتعزيز حماية كبار السن وحفظ حقوهم من اية اعتداءات تطالهم على اساس التمييز او عدم المساواة او غيرها.

دور الامم المتحدة
وكان للأمم المتحدة دورا واضحا في وضع اللبنات الاولى للحماية، في الاعلان العالمي لحقوق الانسان 1948 حين اشارت المادة (25) الى ان " كلِّ شخص حقٌّ في مستوى معيشة يكفي لضمان الصحة والرفاهة له ولأسرته، وخاصَّةً على صعيد المأكل والملبس والمسكن والعناية الطبية وصعيد الخدمات الاجتماعية الضرورية، وله الحقُّ في ما يأمن به العوائل في حالات البطالة أو المرض أو العجز أو الترمُّل أو الشيخوخة أو غير ذلك من الظروف الخارجة عن إرادته والتي تفقده أسباب عيشه".

وعلى الرغم من الاشارة الى الحماية المقررة في هذه المادة الان الاعلان العالمي ليست اتفاقية ومن ثم فهو غير ملزم من الناحية القانونية، فضلا على ذلك ان المعالجة جاءت ضمنية وليس بشكل مباشر ومن ثم فان اساس الحماية فيها ضعيف، ولكنه خطوة ايجابية نحو الحماية وتعزيزيها مستقبلا، اما الجهود العملية فقد ابتدأت عام 1982 حين عقدت الجمعية العامة للأمم المتحدة ما يطلق عليه (الجمعية العالمية الاولى للشيخوخة) في فيينا،وهي خطة عمل مكونة من (62) نقطة توزعت على تنظيم الحماية في مجال الرعايا الصحية والاسرة والتغذية والاسكان والبيئة والرعايا الاجتماعية والتعليم وغيرها، ثم اصدرت الامم المتحدة مبادئ اطلق عليها مبادئ الامم المتحدة بشان المسنين -كما سنبين ذلك لاحقا- وفي عام 1992 عقدت المؤتمر الدولي المعني بالشيخوخة والذي اختتم بالإعلان بشان الشيخوخة عام 1999.

وعادت (الجمعية العالمية الثانية للشيخوخة) للاجتماع ووضع خطة عمل اخرى عام 2002 في اسبانيا عرفت بــ (خطة مدريد الدولية للشيخوخة ) عالجت فيه الكثير من المواضيع المتعلقة بالمسن.

مبادئ الامم المتحدة واليوم الدولي
نظرا لأهمية هذه الفئة فان الامم المتحدة اعتمدت يوم الاول من تشرين الاول من كل عام يوما دوليا للمسنين وهي تطبيقا لخطة العمل التي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة بقرارها (51/37) في عام 1982ولكن التطور الموضوعي كان باتجاه وضع مبادئ توجيهية او ارشادية عام 1991 حين اعتمدت الجمعية العامة مبادئ الامم المتحدة المتعلقة بكبار السن بقرارها المرقم (91/46) في 1991 قد اشارت الجمعية الى دور كبار السن واهمية هذه الفئة مع ادراكها التباين الهائل في أحوالهم، لا بين البلدان فحسب، وإنما داخل البلدان وبين الأفراد أيضاً، مما يتطلب مجموعة من الاستجابات على صعيد السياسات العامة، لذلك اعتمدت عدد من المبادئ وهي:
الاستقلالية: اشار المبدأ الاول من تلك المبادئ وقد لخصتها الجمعية العامة في ضرورة ان تتاح لكبار السن ما يكفي من الغذاء والماوئ والملبس والرعايا كذلك ان تتاح لهم فرصة العمل او فرص اخرى للدخل والمشاركة في تقرير وقت انسحابهم من القوى العاملة، وان تتاح لهم إمكانية الاستفادة من برامج التعليم والتدريب، والتي تتلائم مع وضعهم واعمارهم، وكذلك العيش في بيئات مأمونة والاقامة في منازلهم لأطول فترة ممكنة.

ويمثل مبدا الاستقلال احد اهم المبادئ كونه يشير الى حقوقهم المدنية والاقتصادية باعتباره حقوقا اصيلة لا يمكن الاستغناء عنها، بوصفهم هذا، ولكونهم فئة لها دورها في المجتمع رغم وصولهم سن التقاعد او عمر الشيخوخة.

المشاركة : وقد بين هذا المبدأ معنى او مفهوم المشاركة من خلال مشاركة المسنين بنشاط في صوغ وتنفيذ السياسات التي تؤثر مباشرة في رفاههم، وأن يقدموا للأجيال الشابة معارفهم ومهاراتهم فضلا عن التماس وتهيئة الفرص لخدمة المجتمع المحلي وتشكيل الحركات أو الرابطات الخاصة بهم.

ونرى ان مبدا المشاركة انما هو تجسيد لدور المسنين في المجتمع، دون تمييز وعدم عزلهم او ابعادهم لما يمثله مثل هذا الاجراء من تمييز او عدم مساواة.
الرعايا: ويمثل المبدأ الثالث احد الاليات التي تتطلب من الدولة والمجتمع على حد سواء توفيرها لهم من خلال الرعايا الاسرية، وفي مقدمتها الرعاية الصحية، وهو حق لهم وواجب على الدولة للحفاظ على سلامتهم العامة للحصول على الخدمات الاجتماعية والقانونية، وتمتعهم كباقي افراد المجتمع بحقوقهم وحرياتهم دون تمييز.

ويركز هذه المبدأ عند اقامتهم في مأوى او مرفق للعلاج من خلال الاحترام لكرامتهم ومعتقداتهم واحتياجاتهم وخصوصياتهم وحقهم في اتخاذ القرارات المتصلة برعايتهم ونوعية حياتهم.

تحقيق الذات: اما المبدأ الرابع فقد اشار الى تحقيق الذات من خلال امرين اساسين وهما: فرص التنمية الكاملة لإمكانات المسنين في المجتمع، وضرورة الاستفادة من موارد المجتمع التعليمية والثقافية والروحية والترويحية.مثل بقية الافراد ودون تمييز.

الكرامة: المبدأ الخامس من مبادئ الامم المتحدة والذي يهدف من خلاله العيش بكرامة ودون أي خضوع او استغلال جسدي او ذهني، ويتوجب معاملتهم معاملة منصفة دون تمييز على اساس العمر او الجنس او العرق او كونهم من ذوي الاعاقة مثلا.

ونرى- ان ما تضمنته مبادئ الامم المتحدة هي بمثابة مبادئ توجيهيه تسترشد بها الدول عند صياغة تشريعاتها الوطنية لما تتضمنه من استحقاقات انسانية، اجتماعية واقتصادية، وصحية وقانونية، تتعلق بالمسن حصرا، مراعاة لحالته الانسانية، في المجتمع ومعاملته معاملة واحدة، كبقية الافراد، دون تمييز وتحقيق مبدا المساواة. ورغم الجهود المبذولة من خطة العمل 1982 ومرورا بمبادئ الامم المتحدة وخطة مدريد 2002 فإنها تبقى غير ملزمة من الناحية القانونية بل ملزمة من الناحية الاخلاقية فقط، وهي غير ملزمة للدول الا لكونها مبادئ توجيهية تسترشد بها الدول في تشريعاتها. للقضاء على العنف الواقع على كبار السن او التمييز الحاصل في المعاملة او عدم المساواة فيما بينهم وبين الافراد الاخرين في المجتمع الوطني.

وما يميز هذا العام 2020 وخلال الاحتفال باليوم الدولي للمسنين استمرار جائحة كورونا (كوفيد -19) الذي يجتاح العالم منذ اكثر من 8 اشهر ولايزال، وعلى الرغم من ان هذا الوباء لا يستثني احدا من العدوى الا انه يصيب كبار السن بشكل كبير ومؤثر كونهم يعانون من امراض مزمنة او مستعصية وهذا ما يدعو الى الحفاظ عليها وابعادهم عن الوباء بشكل كامل وعزلهم مما يتطلب الحفاظ على حياتهم، اذ قد يتعرضون وبسبب الوباء الى عدم التمييز، من خلال عدم توفر الرعايا الصحية الكاملة كبقية الفئات، وكذلك العلاجات او العزل او ربما الافتقار الى الخدمات الصحية الاساسية، ما يهدد حياتهم كونهم اكثر الفئات تضررا من الجائحة وتعرضا للوباء، وعلى هذا الاساس أطلق الأمين العام للأمم المتحدة، مبادرة سياسية لمعالجة هذا الأمر والعديد من التحديات الأخرى التي يواجها كبار السن، ودعا إلى "أن تحترم استجابتنا لجائحة كوفيد-19 حقوق وكرامة الأشخاص كبار السن". واشار الى انه "لا يمكن التفريط في أي شخص، صغير أو كبير، ويتمتع كبار السن بنفس الحقوق في الحياة والصحة مثل أي شخص آخر.

وهذا يعني ان توفير الرعايا الصحية امر يتطلب تحقيقه في ظل الجائحة كونهم الاكثر تضررا منها، وضرورة تحقيق المساواة وعدم التمييز في الحصول على الرعايا الصحية اثناء تلقيهم العلاج او بعده، للحصول على حقوقهم في الصحة حالهم حال بقية فئات المجتمع المتضررة بسبب الجائحة.

حمايتهم اثناء النزاع المسلح

ليس في القانون الدولي الانساني اية نصوص تفضيله او تمييزية بل يسري على الجميع، وهذا هو الاصل ولكن هناك فئات تكون اثناء النزاعات المسلحة اكثر تضررا من باقي الفئات، لذلك الزمت نصوص القانون الدولي الانساني بإضفاء حماية خاصة لهم، فضلا عن الحماية العامة وتنطلق الحماية الخاصة من اعتبارات الحالة الصحية (ذوي الاعاقة ) او الجنس ( كالنساء والفتيات ) والعمر ( كالأطفال والمسنين)، اذ يخضع هؤلاء الاشخاص لمعاملة تفضيله اثناء النزاع.
وقد اشارت القاعدة (138) من القانون الدولي الانساني العرفي الى تمتع كبار السن والمعوقون والعجزة المتأثرون بنزاع مسلح باحترام خاص وحماية خاصة، فضلا عن ذلك فقد بينت نصوص القانون الدولي الانساني الاتفاقي حماية كبار السن واحترامهم، وهذا ما بينته اتفاقيتا جنيف الثالثة بشان معاملة اسرى الحرب والرابعة بشان حماية الاشخاص المدنيين وقت الحرب للعام 1949 اذ الزمت المادة (16) من اتفاقية جنيف الثالثة اطراف النزاع يما يتعلق برتب الأسرى وجنسهم، ورهنا بأية معاملة مميزة يمكن أن تمنح لهم بسبب حالتهم الصحية أو أعمارهم ".

وهذا النص واضح في تفضيل وتمييز كبار العمر او المسنين من الجرحى او كانوا كبار بالعمر قياسا الى الباقيين من الاسرى اثناء النزاعات المسلحة الدولية،كما الزمت المادة (45) من الاتفاقية ان يعامل أسرى الحرب الآخرون بخلاف الضباط ومن في حكمهم بالاعتبار الواجب لرتبهم وسنهم. وهذا التمييز قائم على اساس احترام هؤلاء الاشخاص بما يتلائم والرتبة التي يحملها والسن الذي قد بلغه المقاتل الاسير لدى الطرف الاخر، فيما اشارت المادة (49) من الاتفاقية الى جواز قيام الدولة الحاجزة تشغيل أسرى الحرب اللائقين للعمل، مع مراعاة سنهم، وجنسهم.

اما اتفاقية جنيف الرابعة والخاصة بحماية الاشخاص المدنيين وقت الحرب، فقد تضمنت نصوصا للحماية الخاصة اذ اجازت المادة (14) من الاتفاقية لأطراف النزاع وبعد نشوب النزاع انشاء مناطق ومواقع استشفاء وأمان منظمة بكيفية تسمح بحماية الجرحى والمرضى والعجزة والمسنين.

كما اشارت الاتفاقية الى يكون الجرحى المرضى وكذلك العجزة.. موضع حماية واحترام خاصين. وهذا ما بينته المادة 16 فيها. اما المادة 17 فقد الزمت أطراف النزاع بالعمل على إقرار ترتيبات محلية لنقل الجرحى والمرضى والعجزة والمسنين من الميدان. في حين اشارت المادة 18 الى عدم جواز الهجوم على المستشفيات المدنية المنظمة لتقديم الرعاية للجرحى والمرضى والعجزة والنساء.

كما ويجب احترام وحماية عمليات نقل الجرحى والمرضى المدنيين والعجزة والنساء النفاس التي تجري في البر بواسطة قوافل المركبات وقطارات المستشفى أو في البحر بواسطة سفن مخصصة لهذا النقل وهذا ما بينته المادة 21 من الاتفاقية، كذلك الزمت الاتفاقية عدم جواز الهجوم علي الطائرات التي يقصر استخدامها علي نقل الجرحى والمرضي المدنيين والعجزة والنساء وهذا ما نصت عليه المادة 22 منها.
خاتمة

الحماية الخاصة بكبار السن باتت امر ضرورية وهذا قصور في التشريع الدولي من عدم وجود اتفاقية دولية خاصة بهم، لتوفير حماية قانونية وتعزيز حقوقهم الاساسية، ورعايا صحية وغيرها من الحقوق الاساسية.شانهم شان الحماية المقررة بموجب اتفاقية الطفل واتفاقية حماية المرأة (سيداو) تتضمن بيان الحماية واليات توفيرها بشكل يتناسب مع اعمارهم وحالتهم الصحية، والخدمات الاجتماعية والقانونية، وحمايتهم من اية اعتداءات تقع عليهم. والاثر المترتب على عقد الاتفاقية انها سترتب على الدول الاطراف مسؤوليات الحماية وتضع اسسها من خلال نصوص ملزمة لتطبيقها بشكل سليم على اساس عدم التمييز ومنع العنف والمساواة، وابعادهم عن اية اضرار بحقوقهم الاساسية، صحيح ان الكبار السن يخضعون للأحكام العامة الواردة في الشرعة الدولية باعتبارهم افرادا في المجتمع لهم حقوق وعليهم التزامات سواء في العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية 1966 او العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية 1966 الا ان هذه الحماية غير كافية فهي حماية عامة..فلا بد من حماية خاصة باتفاقية دولية كذلك ضرورة ان يكون هناك تشريعات وطنية في الدول التي لم تصدر قوانين تشريعية تحمي مركز المسن القانوني في المجتمعات الوطنية تعزيزا لحقوقهم الاساسية.

جامعة الموصل- العراق