فى دراسة للدكتور مروان المعشر، نائب رئيس مركز كارنيغى، فى "فورين أفيرز" عنوانها "بعد حل الدولتين ينبغى نركيز جهود السلام الفلسطينية الإسرائيلية على مقاربة المساواه"، يؤكد صعوبة أو إستحالة مقاربة حل الدولتين لما فرضته الوقائع على الأرض من إستيطان، وتوسع وتهويد وبفشل كل جهود السلام على مدار العقود الماضية.

ينطلق المعشر من فرضية مهمه أساسها العامل السكانى الذى فرض نفسه، وأن إسرائيل وبما فرضته من وقائع على الأرض فرضت حل الدولة الديموقراطيه الواحده، ومن ثم صعوبة الفصل السكانى والمقاربة الأكثر واقعيه مقاربة المساواة فى الحقوق الحرية والعدالة والكرامة الوطنية، ومن منطلق أن اليمين المتشدد فى إسرائيل والذى يتمسك بنقاء الدولة اليهودية والنقاء القومى يرفض كلية قبول فكرة الدولة الفلسطينية. فما بين البحر والنهر يعيش أكثر من 3-7 مليون نسمه فلسطينى منهم أكثر من مليون يحملون المواطنة الإسرائيلية، والباقون يعيشون فى ظل سلطة مقيده بالإحتلال، مقابل 8-6 مليون إسرائيلى.

اخذا بنسبة الخصوبة لدى الفلسطيينيين 3-4 للمرأة فى الضفة و5- 4 للمرأة فى غزه مقابل 1-3 للمرأة فى إسرائيل، يعنى فى النهاية ان العامل السكانى سيفرض نفسه وبقوه، وجوهر اى نضال سكانى هو البحث عن المساواة فى الحقوق.

الدراسة طويله يستعرض فيها المؤلف فشل فرص السلام، ويحث إدارة بايدن والمجتمع الدولى التركيز على مقاربة المساوة، وإجراء الحوار وصولا للبدائل التى تحقق مقاربة الحقوق. ومما يدعم هذه الفرضيات أن السلام الدائم والمستدام والذى يعنى إستئصالا كاملا لجذور المشكله أمرا قد يبدو مثاليا ومستحيلا، ففى ظل قيام إسرائيل كدولة لا يمكن تصور حل كامل لأنه يعنى إلغاء لطرفى النزاع.

هنا القاسم المشترك بين شروط السلام التى تفرضها إسرائيل وشروط السلام التى تفرضها القيادة الفلسطينية. لنتعرف على شروط السلام المستحيله من قبل طرفى الصراع. الفلسطينيون وحسب ما يُعلن يضعون أربعة شروط أساسيه: دولة فلسطينيه كاملة السيادة على حدود 1967 وهو ما يعنى إنسحاب لكل الكتل الإستيطانية وهناك ما يقارب 700 الف مستوطن يعيشون فى الأراضى الفلسطينية؛ الشرط الثانى أن تكون القدس الشرقية كلها عاصمة للدولة الفلسطينية وهو ما يعنى إنسحاب اكثر من 300 ألف يهودى إسرائيلى يعيشون فيها؛ والشرط الثالث هو عودة اللاجئيين الفلسطينيين إلى مدنهم وقراهم التى أجلوا منها فى اعقاب نكبة 1948؛ والشرط الرابع التواصل الجغرافى بين الضفة وغزه.

من دون الدخول فى تفاصيل هذه الشروط وإمكانية تحقيقها والقبول بها، ما هى الشروط الإسرائيلية للسلام من منظورها. فى ضوء الأيديولوجيا الصهيونية الحاكمة والمنظمة للسياسة الإسرائيلية ولكل الأحزاب والقوى السياسية فى إسرائيل، وفى ضوء الفكر الليكودى الذى يجسده الحزب الحاكم، وفى ضوء الفكر اليمينى المتشدد الذى تمثله احزاب يمينا والصهيونيين المتدينين الذين فازوا فى الإنتخابات للمرة الأولى والأحزاب اليدينية فأول شروط هذا الفكر رفض كامل للدولة الفلسطينية الكاملة السياده او بالمفهوم الهوبزى وخصوصا فى الضفة الغربية التى تشكل منطقة القلب لكل من فلسطين وإسرائيل. هذه الدولة مرفوضة بالكامل. وقد تقبل كما جاءت فى صفقة القرن دولة الأسم من دون الهيكل. والشرط الثانى التمسك بالقدس كلها عاصمة أبدية لها، وهذا ما دعمته إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب بنقلها السفارة الأميركية للقدس وما ستلتزم به إدارة الرئيس جو بايدن، وما رأيناه فى موقفها من مشاركة المقدسيين فى الإنتخابات. الشرط الثالث الرفض الكامل والمطلق لعودة اللاجئيين وتحقيقا لهذا الهدف أصدرت قانون القومية اليهودية الذى يعتبر إسرائيل دولة قومية يهودية لليهود بل وتـشترط على الطرف الفلسطينيى أن يعترف بهذا القانون، إضافة إلى شروط امنيه كثيره تسلب أى دولة مضامينها السيادية والتحكم فى الموارد الإقتصادية والتحكم فى كل المنافذ الجوية والبرية والبحرية.

فى سياق هذه الشروط المستحيلة، تأتى مقاربة الحقوق والمساواة التى تحدث عنها المعشر، لكن تبقى التساؤلات: كيف يمكن تحقيق هذه المقاربة؟ وبأى آليات؟ هل بالكونفدرالية أو الفيدرالية أو تبنى نماذج كالنموذجين الكندى والبلجيكى؟

هذا الأمر يحتاج إلى حوارات معمقة ومناقشات وتبنى من قبل الأمم المتحده او الولايات المتحده والإتحاد الأوروبى. ورغم منطقية هذا الحل، لا يبدو أن الفلسطينيين سيقبلون بأى حل لا يحقق لهم دولتهم المستقله. وإذا كان هناك بحث وحوار فلا ينبغى أن يسقط هذا الحق والمطلب الوطنى والقومى.