منذ إعلان وزراء خارجية جامعة الدول العربية في اجتماعهم التشاوري بالدوحة ودعمهم لكل من السودان ومصر حيال موقفهما من سد النهضة، نعتقد أن موقفاً كهذا، فضلاً عن كونه موقفاً عربياً، ينبغي أن يكون موقفاً عاماً لكل دولة يمكنها الاطلاع على موقفي السودان ومصر المنفتح بموازاة الموقف الأثيوبي المتشدد.
نهر النيل؛ نهر ذو مجرى دولي تتقاطع فيه المصالح الحيوية القصوى لثلاث دول كبيرة في أفريقيا هي : مصر – السودان – وأثيوبيا. وبطبيعة الحال فإن نهراً بهذه الأهمية الدولية سيكون التوافق بين الدول الثلاثة على تقاسم حصص المياه فيه أمراً مهماً ناهيك عن قيام سد عملاق كلفته أكثر من ملياري دولار أمريكي.
النزاع الذي سيأخذ منحىً حساساً جداً مع تهديد أثيوبيا بالملء الثاني للسد في يوليو القادم، هو نزاع ستكون له انعكاساته الاقليمية والدولية، لاسيما عبر جهود ما يسمى بدبلوماسية اللحظة الأخيرة بين أطراف اقليمية ودولية مهمة.
إن مثل هذه النزاعات تحتاج لجهود دبلوماسية دقيقة لاتصالها بالأمن المائي الذي هو أساس أي حياة، ولا تقوم الحياة إلا به، فلذلك سيكون من المهم انتصار دبلوماسية اللحظة الأخيرة، لاسيما وأن للولايات المتحدة اهتماماً بهذا الملف.
وفي هذا الإطار يمكن للمملكة العربية السعودية أن تلعب دوراً وسيطاً خيِّراً تؤهله لها مكانتها الإقليمية والعربية والإسلامية، عبر دبلوماسية مساعٍ حميدة، لما لها من علاقات مستقرة وصلات دبلوماسية متميزة مع الجميع.
قدرة المملكة على تحريك المفاوضات باتجاهات مرنة وقابلة للتفاهم بين الدول الثلاثة تسندها مؤهلات كثيرة؛ منها: أن المملكة العربية السعودية عبّرت دائماً من خلال سياساتها الخارجية عن محاولات لخلق التوافق في القضايا الشائكة ومن ثم الاسهام في تذليل العقوبات التي تعيق التفاهم.
لقد سبق لأكثر من دولة خليجية أن حاولت الوصول إلى تسويات في الملفات العالقة بين السودان وأثيوبيا، كالمبادرة الإماراتية التي تم تقديمها لحل مشكلة الفشقة الحدودية، وكذلك المبادرة القطرية للهدف ذاته.
والمملكة بما لديها من إمكانات دبلوماسية وصلات دولية وجهود طيبة، يمكن أن تستثمرها في إطار جلب تسوية عادلة في قضية سد النهضة بين الدول الثلاث؛ ربما تكون الأكثر قبولاً في وساطتها بين الأطراف الثلاثة، ولاسيما أن قضية حساسة مثل قضية سد النهضة تقتضي جهوداً كبيرة ومخلصة ودعماً بكافة أنواع الدعم من أجل تذليل المصاعب التي تواجه التوافقات الضرورية باتجاه حل واحد لابديل له وهو الحل التوافقي العادل من خلال تفاهمات سلمية.
إن قضية سد النهضة تعتبر، بصورة من الصور، من أهم القضايا الإقليمية والاستراتيجية لمنطقة شرق أفريقيا والشرق الأوسط، ولهذا فإن اهتمام الولايات المتحدة بهذه القضية، وتعيين مبعوث لها في القرن الأفريقي في هذا الخصوص من أجل دعم جهود التسوية بين دول حوض النيل الثلاثة، ستظل من أهم الحوافز التي تدعو المملكة لبذل كافة مساعيها الخيرة من أجل نزع فتيل الاحتقان الذي يمكن أن يحدث في المنطقة، وما تنطوي عليه احتمالات التصعيد جراء تعارض أجندات الدول الثلاثة من عواقب خطيرة. لقد أصبح الأمن الإقليمي اليوم شبكة من المصالح المتصلة ببعضها والعابرة لحدود الدول في الوقت نفسه، ولهذا فإن الاهتمام بمسألة سد النهضة من طرف المملكة العربية السعودية وحث الأطراف المختلفة عليه من أجل التوافق سيكون في صلب أي مساع تبذلها المملكة في سبيل الخروج بحل توافقي ينهي الخلاف ويضع مستقبل العلاقات البينية لدول حوض النيل أمام فرص جديدة للسلام والأمن والتنمية والازدهار للجميع.
- آخر تحديث :
التعليقات