إشكالية كبرى تفسر لنا الحالة السياسية الفلسطينية المعقدة والمتشابكة. والمشكلة ليست في بقاء الرئيس ام رحيله. فالأصوات التي خرجت تطالب برحيل الرئيس وبالمقابل الأصوات التي تطالب ببقاء الرئيس ليست تعبيرا عن حالة شعبية عامة بقدر ما قد تكون تعبيرا عن حالة فصائلية. وليس هذا المهم، فهذه الأصوات فتحت من جديد وأثارت تساؤلات كثيرة من سيخلف الرئيس؟ وما البديل؟ وكيف يذهب الرئيس؟ وماذا تعنى الرئاسة الفلسطينية وما هي محدداتها وشروطها؟ وماذا يعنى أن تكون رئيسا؟
الرئاسة الفلسطينية ليست شخصا ولا فصيلا بقدر ما تعنى رؤية سياسية وبرنامج سياسي يفترض أنه يستمد مكوناته من ماهية القضية الفلسطينية ومكوناتها ومتغيراتها الفلسطينية. الرئاسة حالة فلسطينية عامة. ولا تقتصر على محددات البيئة الداخلية فقط، بل تحكمها أيضا البيئة السياسية الأسرائيلية والأقليمية والدولية. والرئاسة الفلسطينية أكثر الرئاسات في العالم تعرضا للضغوطات وتحكمه أيد كثيرة متناقضة وأحيانا متصارعة وهذا هو الغالب، ويستمد أهميتة ليس من المنصب بل من أهمية القضية الفلسطينية. فهو رئيس لقضية وليس دولة او سلطة فقط. ورئيس تحت الأحتلال وهذه هي حالة إستثنائيه، وجاء نتيجة لإتفاق أوسلو وهذا إستثناء آخر بصرف النظر عن الألية الأنتخابية.
فالرئيس عرفات تحول من رئيس لمنظمة التحرير إلى رئيس للسلطة بموجب هذا الأتفاق، وعبر الألية الأنتخابية ولذلك تم تذليل كل العقبات بما فيها ملف القدس، وجاء ليقوم بتنفيذ هذا الأتفاق والألتزام بالمسار السياسى التفاوضى، ومن بعده جاء الرئيس عباس على نفس المعايير والمحددات. وأيضا ذللت له كافة العقبات وأخصها القدس. اليوم الوضع اختلف، والبيئة السياسية الفلسطينية منقسمه، وحماس التي فازت في الأنتخابات الفلسطينية عام 2006 ولم تتمكن من الحكم قامت بالسيطرة على على غزة لتبنى وتؤسس كينونة سياسية خاصة بها، وبعد ثلاثة حروب تحاول اليوم أن تتنازع على الحق في التمثيل. هذه البيئة السياسية غير مواتية لإجراء الأنتخابات لأنها في كل الأحتمالأت وإن أجريت قد لا يتم القبول بنتيجتها وخصوصا في حال فوز حماس لا إسرائيليا ولا دوليا. والسؤال هنا لماذا إذًاالانتخابات؟
الرئاسة بين خيارين كلاهما غير مقبولين البقاء والرحيل. بقاء الرئيس بالمعنى الأزلى غير قائم، فلا العمر يسمح بذلك ولا الظروف السياسية تسمح أيضا، وخيار الرحيل لا يمكن التسليم والقبول به لأن تداعياته في ظل الأنقسام أكبر بكثير من خيار البقاء. فالرحيل يعنى حدوث فراغ سياسى وهنا تكمن مشكلة من يملآ الفراغ السياسى أو ما هي السيناريوهات الممكنة: السيناريو الدستورى بتولى رئيس المجلس التشريعى لم يعد ممكنا لحل المجلس التشريعى بمرسوم رئاسى. والسيناريو الثانى أن يتولى أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير بإعتبارها المرجعية العليا أيضا غير ممكن في ظل الأنقسام وغياب التوافق والتنازع على التمثيل، ويبقى سيناريو الأنتخابات وهى الألية التي جاء من خلالها الرئيس عباس وإذا كان هناك رحيلا يكون عبر نفس الألية. وهنا العودة ثانية لإشكالية الأنتخابات وملف القدس ويمكن التغلب عليها بالضغط الدولى والعربى وهذا أمرا ليس صعبا.
إذًا بقاء الرئيس في المرحلة الأنتقالية تستوجبه المصلحة الفلسطينية مع مراعاة الدفع إتجاه الأنتخابات. والسؤال هل من حق الرئيس أن يرشح نفسه ثانية؟ والأجابة بالتأكيد مع ضمانة الظروف الصحية، ولكن الأفضل للرئيس شخصيا أن لا يرشح نفسه ويدفع في إتجاه مرشح معين. ولعل الفترة الأنتقالية قد تطول وقد تقصر، ويبقى أمام الرئيس إنجاز المصالحة والتوافق على آليات توافقية لإصلاح النظام السياسى واجراء الأنتخابات، وتوفير البيئة السياسية الداخلية الدافعة في إتجاه الأنتخابات. وهناك تحدى المفاوضات وما يتم التلويح به أن هناك مفاوضات وان الرئيس بخبرته وبرنامجه الأقدر على ذلك، فهذا ممكنا أن تتم بالألتزام بالحد الدنى للمصالح الفلسطينية ولا يمانع من توسيع دائرة المشاركة الفلسطينية. في كل الأحوال الوضع الفلسطيني يستلزم إنتقالأ سلميا للسلطة وللرئاسة عبر آلية الأنتخابات. وليدرك من ينافس على منصب الرئاسة أن أحد أهم شروط التعامل مع الرئيس عربيا ودوليا وإسرائيليا الألتزام بالتسوية السياسية وخيار التفاوض.
الجديد في أي انتخابات رئاسية قادمة أن تكون انتخابات دولة فلسطينيه، وهو ما يعنى إلغاء مرجعية وآلية أوسلو والأعلان الصريح بإنتخابات الدولة وهو ما يعنى القبول بحل الدولتين وبالدولة الفلسطينية على حدود 1967 مع مراعاة ما أستجد من معطيات إسرائيلية على الأرض وليس معنى ذلك القبول بها، لكن بما تم التوافق عليه سابقا. وهنا السؤال الرئيس من سيرشح نفسه وهل يقبل بهذه المرجعية؟ فالرئيس الفلسطيني لن تكون خياراته الحرب بكل الأحوال، خياراته السلام والمفاوضات.
التعليقات