حيث البدايات.. بدايات الخليقة والابتلاءات والكرامات.. هناك شرقيّ مكة، حيث جبل عرفة جاثٍ على الأرض بكبرياء يحكي بشموخ قصص القداسات.
هناك حيث شع نور الإيمان، وملأ الأرض نورًا وسلامًا..
حيث خليل الرحمن بقلب المؤمن الصادق يتلقى أمر الله في ابنه فلذة كبده من خلال رؤيا ..

إذ يتلقّى توجيه من الله ك رؤيا:
افعل فيفعل، اذبح فما يسأل، بل يتناول سكينه، ويَتُلَّ ابنه للجبين، ويذعنان لأمر الديّان بكل إيمان.
ثبت الخليل بتثبيت الله، وثبت سيدنا اسماعيل الذبيح عليه السلام بتثبيت الله.. {يثبتُ اللهُ الذين آمنوا بالقولِ الثابتِ في الحياةِ الدنيا وفي الآخرة}.
إنها كرامات المولى التي يصطفي لها وبها خاصته وأهله.
كان الخليل عليه السلام محبًا لابنه اسماعيل حبًّا جمًا، فأراد الله أن يختبر هذه المحبة في قلب إبراهيم الطاعن في السّن لابنه الذي أتى له على كِبر ، هل تفوق محبة الخليل للديان، وهنا كان الاختبار الأصعب على الإطلاق منذ بدء الخليقة..
قال الحكيم العليم: {فلما بلغ معه السعيَ قال يا بني إني أرى في المنامِ أني أذبحُكَ فانظر ماذا ترى؟}.
فماذا قال إسماعيل؟!
هل خاف؟
هل تردد؟
هل ما نَع؟
لا، أبدًا …
بل حضّ أبيه على تنفيذ أمر ربّه !!!
قال: {يا أَبَتِ افعل ما تُؤْمَرُ ستجِدُني إن شاء اللهُ من الصابرين}!
الله أكبر
مراتب الإيمان عالية، ولهذا قال الله تعالى عن إسماعيل: {واذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد وكان رسولا نبيا وكان يأمر أهله بالصلاة والزكاة وكان عند ربه مَرْضِيّا}.. كان مَرْضِيا.. لقد رضي الله عنه، فأرضاه، فرَضِيَ رضًا لا سخط بعده.
تأمل معي قليلا..
مشهد يأبى أن يبرح بسلام: {فلما أَسْلَما وتَلَّه للجبين}.. استسلم الاثنان لأمر الله، وتل الأب ابنه للجبين استجابةً لأمر الله، وقبل أن تعبر السكين أوداجَ الابن نادى منادٍ أن يا إبراهيم: {قد صدّقتَ الرؤيا إنا كذلك نجزي المحسنين}، ويظهر الحل: {وفَدَيناه بذِبحٍ عظيم}.
قد صدّقت الرؤيا!!!
انظر للوصف القرآني العجيب..
صدّقت، وليس صدَقت فحسب، بل صدّقتها قولاً وفعلًا وتسليمًا وامتثالًا، صدّقتها بعقلك وقلبك وجوارحك.. إنها مرتبةٌ عالية من الإيمان
أي اختبارٍ هذا، وأي ابتلاء وُضِعَ فيه إيمان الخليل وابنه؟!
حين تُبتَلى بابتلاء شديد تذكر ابتلاء الخليل وابنه، وابتسم لما أنت فيه، وحين تسأل الله إيماناً فاسأله إيمانا كإيمان الخليل وابنه.
في #يوم_عرفة مواسم خير عظيمة، فالحمد لله الذي أوجد لنا هذه المواسم نستدرك فيها انشغالنا ولهاثنا المحموم في دنيا الغرور.. من رحمته عز وجل أن جعل لنا أيامًا نتدارك فيها ما قد صرفتنا عنه الأيام.
يوم فيه تسكب العبرات، وتقال العثرات، وتَفيض الرحمات، وتمحى الزلات، وتَعظُم الدرجات، فكم من ذنبٍ مغفور، وكسرٍ مجبور، وسعي مشكور، وكم من دعوةٍ كانت دونها الأبواب موصدة دهرًا، ثم تفتحت لها الأبواب، وكم من بليةٍ رفعت، وكم من ذنبٍ مُهْلِك حُطَّ عنّا ومُحِيَ من صحائفنا بعفوه ورحمته..
في #يوم_عرفة كم درجات في أعلى الجنان فاز بها من وفقه الله فيه، وأحسن وفادة هذا اليوم العظيم، وأجاد استقباله.
للمولى نفحاتٌ في عرفة لا ينالها إلا كل موفق، ولم ولن يصرف عنها إلا كل محروم!
في عرفة مواقف عظيمة، وأعظمها حين يباهي الله بأهل عرفة أهل السماء كما ورد في حديث ابن عمر أن النبي ﷺ قال: «إن الله تعالى يباهي ملائكته عشية عرفة بأهل عرفة، فيقول: انظروا إلى عبادي، أتوني شعثا غبرا» رواه أحمد وصححه الألباني.
قيل عن #يوم_عرفة وفضله ما يفيض ويزيد ففي «لطائف المعارف»أن فقيها قال لصحبه : لو أن هؤلاء الحجيج طلبوا رجلا أمرا أكان يردهم؟
قالوا:لا !
قال:كيف يظن ظان ّأن الله يرد هؤلاء؟!
وقال عبدالله بن المبارك لسفيان الثوري عشية عرفة:مَن أسوأ هذا الجمع حالًا؟
قال :الذي يظن أن الله لا يغفر له!!
ودعا بعض السلف في عرفة قائلا: اللهم إن كنت لم تقبل تعبي ونصبي فلا تحرمني أجر المصيبة على تركِكَ القبول مني.
إنه اليوم الخالد الذي نتوجه فيه نحو خالقنا، بقلبٍ خائفٍ وجلٍ، يرجو رحمة ربه ويخشى عقابه حاملين على أعتاقنا ذنوبًا كالجبال موقنين بأنّ رحمة الله وسعت كل شيء …
ها نحن ربنا قد أنخنا مطايانا على بابك،ولذنا بجنابك معترفين بما أسرفنا منكسرين بين يديك نرجو رحمتك،ونخشى عذابك
لبيك اللهم لبيك،تلبية تملأ ما بين السماء والأرض
نخفف بها أحمالنا،ونمحو بها أوزارنا.
ليس معنا زاد ولا عمل نرتجيه سوى حسن الظّن بك وبأنّك العفوّ القدير الغفور الرحمن الرحيم
اللهم اجعلنا وحجاج بيتك الحرام ممّن نال أجر هذا الجمع واختم لنا واياهم اللهم بحج مبرور وذنب مغفور ..
اللهم ارزقنا أجر هذا اليوم إذ في عرفة ما ليس في غيرها من سائر الأيام.
إنه اليوم الأعظم، حيث الرحمات والعتق من النيران.
أهل السماء ينظرون إلى أهل الأرض بغبطةٍ من رحمات الله عليهم،
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال:سمعته ﷺيقول:قال الله:«يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي،يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي،يا ابن آدم إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة»
اللهم غفرانًا يليق بعظيم عفوك وسعة رحمتك ، ومغفرةً تمحي بها كلّ ذنوبنا.

أوصيكم ونفسي بخير الدعاء يوم عرفة ..
في سنن الترمذي أن النبي ﷺ قال: «خير الدعاء .. دعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي:
لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير».
قفلة:

لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير.

لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لاَ شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ،
إِنَّ الْحَمْدَ، وَالنِّعْمَةَ، لَكَ وَالْمُلْكَ، لاَ شَرِيكَ لَكَ ..