للصدمة الشعورية أثر مفاجئ غير الذي نتوقعه.. نتفاوت نحن في تلقّيها، لكن أثرها يبدو غريب الأطوار في بعض الأحايين.
رُبَّ موقف نتوقع الانهيار فيه، فنجد من أنفسنا تماسكًا بعض الوقت، وبعد استيعاب الصدمة بشكل أعمق ننهار، ورُبَّ موقف ننفعل فيه، ثم نكتشف أنه لا يستحق، فنسخر منه ومن أنفسنا!
النفس البشرية صعبة المراس في المواقف الصعبة، ويصعب علينا التنبؤ بردود أفعالها، غير أن الجميل في الأمر أننا نتعلم شيئًا فشيئا، ونزداد خبرة يومًا بعد يوم.
هذا ما يجب.. إن ما يتلقاه المرء في مراحل حياته يجب أن يضيف إليه خبرات عميقة تسهم في إعادة صياغته من الداخل صياغة مثلى قدر الإمكان، والتعيس من ترك هذه التجارب تصوغه صياغة تعيسة.
أهم ما يجب أن نعلمه عن أنفسنا أننا متفاوتو القدرات.. متفاوتو ردود الأفعال.. متفاوتون في أشياء كثيرة، غير أننا نكاد نتفق على أن الرفق بالقلوب عمل يؤيدنا عليه حتى قساة الظاهر.
كما تحب أن يراعيك الآخرون احرص على مراعاتهم.. تفنن في الكلمة الطيبة، وابرع في المواساة، وأبدع في جبر الخواطر.. إنك لا تنفع الآخر الكسير فحسب، بل تنفع نفسك بانعكاس سعادته عليك.
اللياقة الاجتماعية هي فن الملاطفة، ومن لا يمتلك هذا الفن ينبذه المجتمع، ويرى الناس فيه نوعًا من القسوة والجراءة، وأحيانًا الوقاحة.
رأس مالك صورتك الذهنية لدى الآخرين، فإما أن تبدو لطيفًا محبوبا، أو صَلْفًا غير مرغوب فيه.
والناس مهما بدوا متماسكين فإنهم من الداخل أهش من قصدير.. تطير بهم الكلمة العذبة، وترمي بهم الكلمة القاسية في مكان سحيق!
وردود أفعال الناس تختلف، فبعضهم يبدي انزعاجه، وبعضهم يظهر اللامبالاة، وبعضهم يبتسم لك وقلبه مغرورق بالدموع، وقد يبتسم لك آخر، وقلبه يضمر لك الكيد جراء قسوته معه.
لا تنسوا قسوة الحياة.. هي بطبعها قاسية، فلا تجمعوا مع قسوتها قسوة أفعالكم وأقوالكم، وإن لم تكونوا نسمات على الناس فلا تكونوا أعاصير.
نحن البشر عوالم متداخلة، لا يمكن سبر أغوارها، ولا حل ألغازها رغم كل الأشكال والصور التي تبدو عليها أشكالنا، ومهما كانت ظاهرةً جلية للآخرين من أشكالٍ وصفات وخصائص نستطيع تمييز بها بعضنا البعض، إلا أنه مخطئٌ من يظن أنه يعرفنا تمام المعرفة، حتى وإن كان من أمهر البشر ذكاءً وعلمًا ومعرفة.
لسنا تمامًا من الداخل مثلما نبدو عليه، تشكلنا طبيعتنا البشرية خارجيّا.. نعم لكل منا يدان، قدمان، قامةٌ مستقيمة، الهيئة البشرية ذاتها، لكننا من الداخل مختلفون تمامًا، واختلافنا ليس على حسب الجنس فحسب، بل على حسب الفرد، كل فردٍ منا تشكله مجموعةٌ من المشاعر والأحاسيس التي لا يمكن أن تتطابق مع أي شخص آخر على وجه البسيطة.
من إعجاز الخالق عز وجل أن لكل منا بصمته الخاصة التي لا نظير لها على الإطلاق؛ فربما تجد رجلًا قويًا، خشنًا جدًا من الخارج، ولكن أعماقه أرقّ من أعماق طفلٍ في السادسة، يملك أحاسيسَ مرهفةً للحد الذي بإمكان كلمة واحدة أن تقتله، وأحيانًا تجد فتاةً بوجهٍ ملائكي وصوتٍ طفوليٍ أَغَنّ، لكنها فتاةً قويةً جدًا من الداخل، وبإمكانها أن تخوض أكثر المواقف صعوبةً وقسوة دون أن يُخدَش قلبها، أو تُهزَم إرادتها.
هذه المفارقات العجيبة التي تجعل منا نحن البشر لغزًا عجيبًا محيرًا، فلا يمكن لعالِمٍ أو خبيرٍ أو أيًّا يكن أن يدعي أنه يملك كلمة السر الخاصة بنا نحن البشر، أو أنه أتم دورانه الكامل حول دواخله وعرف كل ما يشكلنا.
لذلك كونوا حذرين جدا في التعامل مع القلوب، ولا تكونوا سببًا في تحطيمها بكلمة أو رد فعل موجع، بينما الآخر تتوقف حياته كلها عن الدوران، ويظل يتوجع وإن لم تشعروا به.
توخوا الحذر في كلماتكم وأساليبكم مع الناس.. ترفقوا بهم، وحاولوا انتقاء ألين الكلمات، وأرق العبارات حتى في حال الاختلاف والرفض، لا تكونوا قساة.. تكفينا قسوة الحياة.
قفلة:
الحياة قاسية، والقلوب هشة..
ناشدتكم الله لا تكونوا أنتم والحياة عليها.
التعليقات