من سيكون رئيس الوزراء القادم ورئيس الجمهورية القادم ورئيس مجلس النواب القادم بعد الانتخابات التشريعية؟ إنها لعبة الاحتمالات التي لا ترتبط بنتائج الانتخابات فكل شيء ممكن وجائز في جمهورية الموز العراقية. فالخاسر لا يقر بخسارته ويهدد بإلغاء نتائج الانتخابات بحجة أنها زورت كباقي الانتخابات السابقة، أو جر البلاد إلى ما لا يحمد عقباه أي الصراع المسلح بين الميليشيات الولائية الإيرانية وتلك التابعة للتيار الصدري. السنة لديهم كتلتين واحدة فائزة هي تحالف تقدم بقيادة محمد الحلبوسي رئيس مجلس النواب الحالي الذي يأمل بتجديد ولايته لدورة ثانية، وتحالف عزم الذي تناور لحرمانه منها عبر لعبة تحالفات دنيئة. أما المكون الكردي فبحسب ما ورد من مصادر إعلامية وسياسية موثوقة ومقربة من مراكز القرار، فقد تم التوصل إلى اتفاق ضمني بين الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني لتقاسم المناصب الوزارية ومنصب رئاسة الجمهورية بينهما وفق تفاهمات جديدة.
مع إعلان النتائج النهائية للانتخابات النيابية الأخيرة في العراق، تتزايد التساؤلات حول المرشحين المحتملين لشغل مناصب عليا في جهاز الدولة، ولا سيما فيما يتعلق بالرئاسات الثلاثة الجمهورية ومجلس النواب ورئيس مجلس الوزراء.
منذ سقوط نظام صدام حسين عام 2003 بعد غزو الولايات المتحدة الأمريكية للعراق، تم تقاسم المناصب العليا في العراق بين المكونات الأساسية في العراق على الطريقة اللبنانية، متبعة في ذلك عادة سياسية (غير رسمية في الدستور)، تسمى محليًا "نظام المحاصصة" التي صارت عرفاً سياسياً لا يمكن التخلص منه. وبحكم هذه العادة السياسية السيئة المدمرة، يشغل الشيعة رئاسة الحكومة والسنة رئاسة البرلمان بينما تخصص رئاسة الجمهورية للأكراد حيث يُنتخب رئيس الجمهورية بتصويت ثلثي أعضاء البرلمان (الذي يضم 329 نائبًا) ومدة ولاية الرئيس أربع سنوات، ما يعني أنه يتوجب على الكورد ضمان أصوات شيعية وسنية مسبقاً قبل تقديمهم لمرشحهم لهذا المنصب للحصول على موافقة البرلمان الجديد.
رئيس الجمهورية الحالي برهم صالح يأمل في التجديد له لولاية ثانية أيضاً ولكن حظوظه باتت شبه معدومة. فالتنافس على منصب رئيس الجمهورية محصور بين الحزبين الحاكمين في اقليم كردستان (شمال العراق). وهما الحزب الديموقراطي الكوردستاني PDK برئاسة مسعود بارزاني والاتحاد الوطني الكردستاني UDK برئاسة بافل طالباني نجل الرئيس السابق الراحل جلال طالباني.
الرئيس العراقي الحالي برهم صالح هو أحد قادة الاتحاد الوطني الكردستاني الرئيسيين وأحد المرشحين المحتملين للعودة وإعادة تسميته كرئيس للعراق الاتحادي لكن المراقبين للشأن العراقي يعتقدون إن "برهم صالح ليس لديه فرصة لتأمين ولاية ثانية". فقادة الاتحاد الوطني الكردستاني الجدد لا يرغبون بالتجديد لبرهم صالح، لأن العلاقات بينه وبين القيادة الحالية للاتحاد الآن غير ودية". لا سيما وإن منصب رئيس الجمهورية لن يفلت هذه المرة من بيد الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي يعمل على الحصول على هذا المنصب خلال الفترة المقبلة".
وفيما يتعلق بالمرشحين المحتملين الذين قد يقدمهم الحزب الديموقراطي الكوردستاني PDK لهذا المنصب فهم ثلاثة إذ من المتوقع أنه سيقدم ترشيح وزير الخارجية الحالي فؤاد حسين، ورئيس الدبلوماسية الأسبق هوشيار زيباري، وكذلك الرئيس السابق لـ برلمان اقليم كردستان عدنان المفتي، بعد أن تولى الاتحاد الوطني الكردستاني منصب رئيس الجمهورية منذ تنظيم أول انتخابات تعددية في العراق عام 2005.
وشغل زعيم حزب الإتحاد الوطني الكوردستاني الراحل، جلال طالباني، منصب رئيس الدولة لفترتين متتاليتين، بين 2005 و2014، تلاه أحد القياديين في الحزب نفسه فؤاد معصوم (2014-2018) ورئيس الدولة الحالي، برهم صلاح منذ 2018. وفي المقابل يتولى الحزب الديمقراطي الكردستاني رئاسة إقليم كردستان ورئاسة الحكومة بموجب اتفاق ضمني على تقاسم الحزبين المناصب العليا.
يسعى الحزب الديموقراطي الكوردستاني PDK هذه المرة للفوز بمنصب رئيس جمهورية العراق، بدافع قوي في ذلك من خلال حصوله على عدد أكبر من المقاعد في الانتخابات النيابية التي جرت في 20 تشرين الأول (أكتوبر) 2021، ومن خلال الاستفادة من الانقسامات الداخلية التي تنال من صفوف شريكه، الاتحاد الوطني الكردستاني. فقد حصل حزب PDK على 31 مقعدًا وفقًا للنتائج النهائية مقارنة بـ 25 مقعدًا في انتخابات 2018، بينما حصل حزب الاتحاد الوطني الكردستاني على 17 مقعدًا، على غرار 2018.
انشقاقات الاتحاد الوطني الكردستاني
لعدة أشهر، عانى الاتحاد الوطني الكردستاني من الخلاف الداخلي الحاد بين قادته. وقد أدت هذه الخلافات إلى إقالة الرئيس المشارك للحزب، لاهور جنكي. وبحسب أحد قادة حزب PDK عبد السلام برواري ، فإن "القوى السياسية العراقية التي دعمت مرشح الاتحاد الوطني الكردستاني (برهم صالح) لم يعد لها نفس الثقل السياسي الذي كانت تتمتع به في الانتخابات الماضية".
ويشير برواري ، في مقابلة تلفزيونية ، إلى أن تحالف الفتح بقيادة هادي العامري، وهو المظلة السياسية للعديد من الفصائل الشيعية المسلحة المقربة من إيران ، خسر العديد من المقاعد في الانتخابات المبكرة بحصوله على 17 مقعدًا فقط ، فيما احتل هذا التحالف المرتبة الثانية في انتخابات 2018. مع 48 نائبا.
من جهة أخرى، فاز التيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر في الانتخابات الأخيرة بـ 73 مقعدًا. وأضاف برواري أن "ترشيح أي شخصية بارزة من جانب الأكراد مرتبط بالتوصل إلى اتفاق مع القوى السياسية في بغداد". واعتبر هذا السياسي الكوردي أن " من المبكر جداً طرح هذا السؤال في ظل الخلافات بين الشيعة على رئاسة الوزراء وشكل الحكومة المقبلة". فالتيار الصدري يسعى بإصرار إلى تشكيل حكومة أغلبية وطنية وليس حكومة توافقية، وذلك لأول مرة منذ 2005. إلا أن مقاربته تواجه رفض القوى والتيارات الشيعية الأخرى التي خسرت عددًا كبيرًا من المقاعد والتي ترفض نتائج هذه الانتخابات، بدعوى تزويرها.
منذ منتصف تشرين الأول، يتظاهر أنصار القوى السياسية الخاسرة ومنتسبي الحشد الشعبي الذي تسيطر عليه تلك الأحزاب المهزومة وسط العاصمة بغداد وسط أجواء سياسية متوترة تتخللها محاولة اغتيال رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي في 7 تشرين الثاني. أدت إعادة الفرز اليدوي للأصوات في المكاتب المتنازع عليها إلى تغيير 4 مقاعد فقط. وقد صرح رئيس المركز الاعلامي للتنمية الاعلامية (ومقره بغداد) عدنان السراج بهذا الصدد إلى أننا نشهد تأخيرا من جانب الحزب الديموقراطي الكوردستاني في الكشف عن اسماء مرشحيه لمنصب رئيس الجمهورية" لأن "الأكراد ينتظرون حل المشاكل والتحالفات الشيعية في بغداد قبل تقديم أسماء مرشحيهم لرئاسة الجمهورية". وفيما يتعلق باحتمالية الاحتفاظ برهم صالح كرئيس للجمهورية، اعتبر السراج أن ولاية ثانية للرئيس المنتهية ولايته غير مرجحة لأسباب عديدة، بما في ذلك الفتنة الداخلية داخل الاتحاد الوطني الكردستاني ".
ففي نفس الوقت، بدأ الحزب الديموقراطي الكوردستاني الضغط للحصول على هذا المنصب خلال الفترة المقبلة فهو لا يدعم ولاية ثانية لبرهم صالح كرئيس ويرغب في إسناد المنصب لقيادي في الحزب الديموقراطي الكوردستاني كما اتضح من التصريحات والمقابلات عبر القنوات التلفزيونية".
العقبة الكبرى تتمثل في اختيار شخص رئيس مجلس الوزراء الذي يريده التيار الصدري صدرياً قحاً بينما يطالب الإطار التنسيقي بأن يكون توافقياً يقبل به الجميع. ولقد وضع الإطار التنسيقي خطاً أحمر على تجديد ولاية رئيس مجلس الوزراء الحالي مصطفى الكاظمي الذي قد يقبل به مقتدى الصدر، حسب وعد سابق منه، كحل تسوية بديلاً عن الرئيس الصدري القح على مضض. وهناك شخصيات أخرى في جعبة التيار الصدري كمرشحين لهذا المنصب كجعفر الصدر نجل مؤسس حزب الدعوة محمد باقر الصدر الذي أعدمه صدام حسين في ثمانينات القرن الماضي وهو من بيت الصدر، وايضاً ربما إعادة ترشيح حيدر العبادي لقربه من الصدر ونجاحه النسبي في ولايته الأولى كمرشح تسوية يمكن أن يرضي جميع الأطراف بغض النظر عن عدد المقاعد البرلمانية التي يملكها وهي لا تتجاوز المقعدين.
التعليقات