تمضي العلاقات الإماراتية ـ الإسرائيلية منذ بدايتها في منتصف أغسطس عام 2020، بشكلٍ جاد نحو بناء أسس وركائز قوية للتعاون بين البلدين في مختلف المجالات، وهناك إرادة مشترك للاستفادة من قدرات وامكانيات وتبادل الخبرات بما يصب في مصلحة البلدين والشعبين.


هذه الحقيقة تتضح وتتعمق بمرور الوقت في مسيرة العلاقات بين الإمارات وإسرائيل، فبالأمس قام رئيس الوزراء نفتالي بينيت بزيارة إلى دولة الامارات، حيث التقى صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، وجاء الاستقبال الرسمي عاكساً لرغبة دولة الإمارات في بناء علاقات قوية ومثمرة مع إسرائيل، لذا ليس لدي شك في أن اسرائيل تحتل مرتبة متقدمة للغاية ضمن خطط الإمارات لتنفيذ وثيقة الخمسين، التي تشير في أحد مبادئها العشرة إلى"التركيز بشكل كامل خلال الفترة المقبلة على بناء الاقتصاد الأفضل والأنشط في العالم، وأن المصالح الاقتصادية لدولة الإمارات تقف على رأس الأهداف الوطنية العليا، وتتحدث بوضوح تام عن أن "هدف السياسة هو خدمة الاقتصاد"، فضلاً عن أن "تطوير علاقات سياسية واقتصادية وشعبية مستقرة وايجابية مع هذا المحيط (المحيط الجغرافي والشعبي والثقافي للدولة) يعتبر أحد أهم أولويات السياسة الخارجية للدولة"، وبالتأكيد تبقى إسرائيل بكل ما تمتلك من مزايا تفضيلية في المجالات التقنية والاقتصادية رقماً مهماً في حسابات أي مخطط استراتيجي أو صانع سياسات. فليس سراً أن إسرائيل إحدى أبرز الدولة المتقدمة في مجالات صناعية وتكنولوجية عدة، وليس سراً كذلك القول بأن هناك فرص واعدة لقيام تعاون بين النموذجين الإماراتي والإسرائيلي في التنمية، بما يمتلكان من طموحات كبرى وتطلعات نحو المستقبل، وبحكم تشارك الاهتمام بالبحث العلمي والتحول المتسارع نحو الرقمنة واقتصاد المعرفة، وهذا ما أنعكس في وصف العلاقات بين البلدين في البيان الختامي الصادر في ختام زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي للإمارات بـ"الوطيدة" و"الشراكة الكبيرة"، وهي مفاهيم ومصطلحات سياسية تُختار بعناية ودقة في مثل هذه المناسبات والظروف.


هذه العوامل وغيرها الكثير توفر بيئة خصبة لكل مايحدث في الآونة الأخيرة من تطورات على صعيد العلاقات الإماراتية ـ الإسرائيلية، ويتجسد ذلك في اللقاءات العديدة بين القادة والمسؤولين الإماراتيين والإسرائيليين، والتي غالباً ماتنتهي بالإعلان عن اتفاقات إقتصادية وتجارية واستثمارية، ويطغى عليها الشق الاقتصادي والتجاري، وأحدث الدلائل على ذلك زيارة السيد بينيت للإمارات حيث اتفق الجانبان على إنشاء صندوق مشترك للبحث والتطوير، يعمل إضافة إلى مجلس الأعمال المشترك المنبثق عنه، على تسخير العقول الاقتصادية والتكنولوجية الرائدة في الإمارات وإسرائيل، وتكليفهم بإيجاد حلول للتحديات مثل تغير المناخ والتصحر بالإضافة إلى الطاقة النظيفة والزراعة المستقبلية.


وتيرة التعاون والتنسيق تكتسب قوة دفع كبرى من التشابه الكبير بين قطاعات عدة سواء من حيث الطموح والتطور والاعتماد على البحث العلمي، أو من حيث الاندماج مع الاقتصاد العالمي، وهذا كله يوفر أرضية ممهدة للتعاون وتبادل الخبرات في قطاعات مثل الأدوية والذكاء الاصطناعي والطاقة وتنقية المياه وبحوث اكتشاف الأمراض والزراعة الذكية، ناهيك عن قطاع التكنولوجيا المتقدمة الاسرائيلي الذي يمثل أكثر من 40% من صادراتها، ما يمهد الطريق للاستفادة المشتركة بين الشركات الناشئة في إسرائيل والبيئة الأكثر جاذبية لهذه الشركات في العالم، في الإمارات حيث تتمركز نحو ثلث الشركات الناشئة في الشرق الأوسط وشمال افريقيا.

ويلفت الانتباه المحلل أن البيان الختامي الصادر في ختام زيارة بينيت ليس ككل البيانات الختامية الصادرة في أعقاب الزيارات الرسمية والمحادثات المشتركة التي تجري خلالها بين القادة والمسؤولين، إذ يعكس بشكل أساسي محاور اهتمام الجانبين، الإماراتي والإسرائيلي، فالبيان الرسمي يتحدث عن أجندة نقاشات تضمنت "مجموعة متنوعة من القضايا الاقتصادية والبنية التحتية واللوجيستية والمدن الذكية التي تم إحراز تقدم كبير فيها خلال العام الماضي، بما في ذلك التعاون بين القطاعين العام والخاص بالإضافة إلى البحث والتطوير والتكنولوجيا والأمن الغذائي والمناخ والمياه والطاقة والبيئة والصحة والسياحة"، وهي أجندة واسعة تنفرد بها علاقات الإمارات وإسرائيل وتعكس حالة السلام الوليد بين البلدين، وتؤكد وجود توجه نحو بناء نموذج سلام حقيقي مع الجار الإسرائيلي.


الطموح الإماراتي الإسرائيلي يتجاوز فكرة النقاش السياسي التقليدي والعبارات التقليدية التي "تُزين" البيانات الصادرة عقب الاجتماعات المشتركة، رغم أهميتها، حيث يطال ـ كما ذكر البيان الختامي ـ السعي "إلى الاستفادة من نقاط القوة والعلاقات الاستراتيجية لمجتمع الأعمال في البلدين، ليس لتعزيز التجارة الثنائية والابتكار فحسب، بل أيضًا للجمع بين التقنيات وفرص الأعمال في الأسواق في الشرق الأوسط ورابطة الدول المستقلة وشرق آسيا وإفريقيا"، بل هناك جهود تبذل للتوصل إلى اتفاقية شراكة إقتصادية شاملة، وليس مستبعداً أن ينجح الجانبان في مراكمة الثقة وتعميق التعاون لدرجة ربما تصل إلى مستوى الشراكة الإستراتيجية، ومايحدث من تطور متسارع في العلاقات الثنائية يؤشر إلى إرادة مشتركة للشراكة الثنائية بغض النظر عن الأطر المفاهيمية أو الصيغة التعريفية لهذه الشراكة الواعدة.


لاشك أن إحدى أهم سمات العلاقات الإماراتية الإسرائيلية أنها تأسست على مصالح مشتركة حقيقية لها صلة وثيقة بالشعوب، لذا فإن أجواء السلام انتقلت بسرعة إلى الشارع والنبض الشعبي في البلدين، واستفادت منها قطاعات إقتصادية وتجارية واستثمارية وسياحية بما يوفر أساساٌ قوياً للبقاء والتوسع في هذه العلاقات. وكل ماسبق وغيره يرسخ أسس السلام بين الإمارات وإسرائيل ويسهم في نشر هذه الثقافة اقليمياً لأن هذا النموذج القائم على تبادل المنافع والمصالح يتفادى الشعارات السياسية ويركز على الأبعاد الواقعية للسلام، ويستهدف مصالح الشعوب بما يضمن لهذا النمط من العلاقات الاستقرار والاستمرارية والتطور.