في رواية زوربا اليوناني لنيكوس كازانتزاكيس وردت هذه العبارة
"- أنا حرّ يا زوربا ..
- كلا لست حراً، كل مافي الأمر أن الحبل المربوط في عنقك أطول قليلاً من حبال الآخرين."
نحن بالفعل مربوطين بحبالٍ لا نراها، نعيش ونحن مقيدين بالعادة والرغبة والتمني، ولكلٍ منّا حباله الخاصة
بالأمس إلتقيت بصديقٍ قديم عاش طلية حياته وهو مربوطٌ بحبالِ الآخرين، حبالٌ رقيقةٌ جدًا لا يمكن أن تُرى ولكنها قويةٌ جدًا جدًا
عاش حياته للآخرين .. يعطي .. ويتعب .. ويقدم ويضحي من أجلهم .. وأما نفسه فسلام الله عليها كانت آخر ما يفكر به
كان معهم حقًا مثل شجرة مثمرة، كلما قُذفت بالحجارة ازدادت نضرةً وخضرةً وظلالًا
ولم تفكر ولو لمرةٍ واحدة هذه الشجرة الوافرة بنفسها،
ولا بجفافها ولا حتى بأغصانها المتعبة ..
كانت فاردةً لهم أغصانها في الهواء مثل أمٍ حنون، تلاعب صغارها
لكنهم عوضًا عن ملاطفتها قذفوها بالنكران والحجارة
لقد عاش بحبالٍ لا تشبهه
ولا تليق بعنقه الشامخ
تعب من كونه إنسانًا ..
تخيل .. أي عالمٍ هذا الذي يتعب فيه المرءُ من كونه إنسانًا !!!
هل عليه أن يتحرر من انسانيته
ويكون مثلهم ليكفُّ العالم حينها عن أذيته ؟
العطاء حين يكون في الأنذال يصبح غصة
لكنهم الصالحون، يدفعون الأيام المرة بالتغاضي،
وبطي صفحات الأنذال دون أن يُكْترث لهم
لقد وجدته ليلة البارحة مشرقًا،
يافعًا،
متهلّل الوجه
سألته بكل سعادة يا صديقي
هل قطعت الحبال الملفوفة حول عنقك؟
تبسم بكل ما يملك من ضياء
وقال لي:
لا يا صديقي ..
كل ما في الأمر أنني طويت صفحتهم إلى الأبد.
وهذه قصةٌ وحالةٌ أخرى:
وجدته بعد مضيء عشرون عامًا بذات الخوف وذات الترقّب، وذات اليقظة، تخيل أن تعيش حياةً بأسرها وأنت مترقّبٌ ما ليس يأتي،
سألته ولا أدري كيف فعلت ذلك، ولكني أردت أن أحلّ عقدةً من ذلك الحبل المربوط حول وجعه، أردت أن أساعده قليلاً كي يتنفس
صديقي ما بك؟
كان السؤال مثل هزهزات البحر، عبثًا حاولتْ أن ترفع المرساة
لقد كان فيما سبق رجلًا مرحًا، يشارك الجميع الفرح والحياة
يمزح ويضحك ويبتهج ويعيش الحياة كما ينبغي
لكنها الأيام حين تود أن تنال من رجلٍ سعيد، تفعل ذلك وبقسوة
لكنه لم يجيبني ولم يتحرك، ظننت بأنني ألقيت عليه صخرةً كبيرة،
أخرج من صدره زفرة شعرت بحرقتها
يا صديقي خالد لقد رَحَلَتْ.
فقط هكذا كانت هي إجابته
تخيل أننا حين نحب نربط على أعناقنا حبالًا غليظةً جدًا
حين نظر إلي وهو يجيبني رأيت في عينيه نظرة سجين
لم يعد يضجر من سجنه، ولم يعد ينشد الحرية .. لقد ألِفَ سجنه هذا
ترُى أي حبلٍ للحب رقيقٌ ولعينٌ هكذا
تكبلنا الأحلام بحبالٍ من سراب، نشعر بها ولا نراها
تكبلنا الذكريات بحبالٍ نشعر بها في الأغاني والصور والأماكن
التي عشناها معًا
تكلبنا الأيام بالروتين،
ويكبلنا الحنين بالتذكّر،
والأفراح بالترقّب
والأصحاب بالعشم،
ويكبلنا الأحبة بالغياب.
نعيش حياتنا بحبالٍ طويلة لا ندري من عقدها، أو من أطلقها
شعرت به وكأنه يقول لي:
بالنسبة لي حبلي الطويل وغير المرئي والذي يشتد على عنقي كلما ضحكت ..
غيابها يا صديقي
التعليقات