خلال الاسابيع الاخيرة، تناقلت وکالات الانباء ووسائل الاعلام المختلفة تقارير خبرية عن المحادثات السعودية ـ الايرانية وثمة تفاٶل وأمل من أن تتمخض عن نتائج إيجابية وتثمر عن إتفاق يساهم في إستتباب السلام والامن والاستقرار في المنطقة ووضع حد لما تواجهها من مشاکل وأزمات مختلفة من جراء المواجهات والاختلافات وحتى المواجهات الحاصلة فيها، ولا ريب من إن إتفاق راسخ وضامن لهذين البلدين اللذين لهما دورا محوريا في المنطقة بشکل خاص، سيساهم حتما بالتأثير بصورة إيجابية على الاوضاع ليس في المنطقة فقط وإنما على مستوى العالم أيضا.

المحادثات الحالية التي يشار الى إنها وللمرة الاولى تحقق تقدما بإتجاه تنقية الاجواء بين البلدين، لا بد من التنويه عن حقيقة بالغة الاهمية وهي إنه قد کان هناك في الماضي ثمة إتصالات ومحاولات لرأب الصدع بين البلدين ووضع حد للإختلاف الکبير والحاد بينهما، لکن کل تلك الاتصالات لم تحقق النجاح ولم تصل الى نتيجة بسبب تعنت طهران وسعيها من أجل فرض شروطها وإملائاتها على السعودية ولا سيما وإن طهران بعد أن فرضت نفوذها على 4 عواصم عربية وصارت تبعث عن طريق أذرعها صواريخ ومسيرات الى السعودية بأن الاخيرة ستنصاع وتخضع لمشيئتها وتتفق وفق ما يتناسب مع توجهات طهران، لکن يبدو إن الامور لم تسير بذلك الاتجاه وخصوصا في ظل عهد الملك سلمان بن عبدالعزيز ووليه عهده محمد بن سلمان التي تميزت بحرصها الشديد على کل الامور المتعلقة بالعالمين الاسلامي والعربي.

إيران لم تلجأ الى خيار التفاوض الجاد المبني على الاخذ والرد وليس فرض الاملائات، إلا بعد أن تقطعت بها السبل وفشلت فشلا ذريعا في فتح الباب السعودي الذي هو بالاساس باب العالمين العربي والاسلامي على حد سواء، وبشکل خاص خلال عهد الملك سليمان بن عبدالعزيز وولي عهده محمد بن سلمان، حيث شهد ولأول مرة تصد ومواجهة عملية للتحرکات والنوايا الايرانية المشبوهة في العالمين العربي والاسلامي، ذلك إن هذا الصراع الذي بدأ منذ 4 عقود من خلال سعي إيران لتسييس شعيرة الحج وتهميش دور السعودية وتطور الى التدخلات السافرة في بلدان المنطقة والسعي لإستنساخ تجربة نظام ولاية الفقيه الفاشلة أساسا في إيران نفسها على بلدان في المنطقة بل وحتى المطالبة بتدويل إدارة موسم الحج، يظهر بأنه قد أنهك الکاهل الايراني کثيرا، وإن ثمة مقارنة بسيطة بين الاوضاع في البلدين بعد 4 عقود من الصراع السياسي ـ الفکري بينهما، يٶکد بأنها لصالح السعودية من کل الوجوه خصوصا وإن دورها وتأثيڕها يزداد قوة أکثر من أي وقت مضى، بل وحتى إن أحد أسباب حالة الجمود التي تعتري محادثات فيينا، هو رفض السعودية لشطب الحرس الثوري من قائمة الارهاب على خلفية الدور السلبي له في بلدان المنطقة.

ابراهيم رئيسي، المعروف بکونه من صقور نظام ولاية الفقيه، فإن حمله لراية التقارب والانفتاح على السعودية والسعي من أجل التوصل لإتفاق معها، هو بالتأکيد بمثابة رسالة واضحة من إن إيران وفي ظل فترة حکم ذروة التشدد فيها، صارت ليس تعلم بل وحتى تعي بإستحالة تحقيق حلمها بإقصاء السعودية وتزعم العالم الاسلامي، ذلك إن السعودية لم تتبوأ مکانها ومنزلتها السامية في العالمين العربي والاسلامي بسبب نشاطات سياسية وتدخلات وما إليها من أعمال مفتعلة وإنما هي کذلك بسبب وجود الحرمين الشريفين فيها ووجود قيادة سياسية أثبتت على الدوام حصافتها وعقلانيتها في التصدي لمختلف الامور ومعالجتها، بل وإن النهضة الشاملة التي تشهدها السعودية في ظل العهد الحالي وبالاخص بعد الشروع بالمخطط التنموي الاستثنائي"رٶية 2030"، في طريقها لتجعل من بلد الحرمين الشريفين رقما صعبا ليس على مستوى العالمين العربي والاسلامي فقط بل وحتى على مستوى العالم، ومن هنا فإنه لم يبق أمام إيران سوى طريقين لا ثالث لهما؛ الاول الاستمرار في المواجهة والصراع من أجل إقصاء السعودية وهو الامر الذي کلفها کثيرا سيکلفها أکثر وأکثر فيما لو إستمرت، والثاني هو الاستسلام للأمر الواقع والتصرف في ضوئه، وهو الذي يجري حاليا بکل هدوء وروية سيما وإن طهران وفي أوقات تراجع دورها وإستسلامها للأمر الواقع ترغب بشدة أن يحدث ذلك بعيدا عن الاضواء!