يعم التفاؤل في الكويت بعد الخطاب السامي للأمير الشيخ نواف الأحمد، والذي ألقاه نيابة عنه ولي العهد الشيخ مشعل الأحمد، لاسيما بشأن تهشيم التحالف الحكومي مع رئيس مجلس الأمة السابق مرزوق الغانم وتصحيح مسار العلاقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية.

لقد حملت التوجيهات والتوجهات السامية الأخيرة رسائل إصلاحية سياسية للشعب الكويتي ومعالجة سياسية جذرية طال انتظارها من أجل الخروج من أتون الصراعات السياسية وضياع هيبة الدولة، التي شهدتها الكويت منذ رئاسة مرزوق الغانم مجلس الأمة في العام 2013.

اتخذت القيادة السياسية الكويتية قراراً سياسياً غير مسبوق تاريخياً بشأن عدم تصويت الحكومة بأكملها بانتخابات رئاسة مجلس الأمة المقبلة ولجان المجلس أيضاً، وذلك بهدف ترسيخ سياسة الحياد الحكومية الجديدة بعد سنوات من التجاذب الحكومي-البرلماني وصدام برلماني-برلماني أيضاً.

لقد حسم الخطاب السامي بالنفي القاطع لما يتردد عن تعطيل الدستور أو تعديله أو تنقيحه أو المساس فيه والذي توج بصدور مرسوم أميري بحل مجلس الأمة لامتصاص حالة الغضب البرلماني والشعبي.
ولا شك أن قرار حل مجلس الامة والعودة للإرادة الشعبية في 29 سبتمبر 2022 يعتبر معالجة حكيمة للصراع الذي دب بين السلطتين التنفيذية والتشريعية منذ تولي مرزق الغانم رئاسة مجلس الأمة من أجل أن يصبح "المجلس سيد قراراته" مستقبلاً.

ولعل مرسوم الضرورة في اعتماد البطاقة المدنية بدلا من الجنسية بالانتخابات المقبلة، يرسم افاقاً ديمقراطية واعدة نحو انتخابات نزيهة بالرغم مما يتردد من المتضررين عن احتمالات البطلان الدستوري بسبب فقدانهم قواعد انتخابية مُزورة!

لا شك أن الاحتقان السياسي الذي تئن منها الكويت منذ العام 2013 له علاقة بالانحرافات البرلمانية-الحكومية الممتدة منذ ذلك التاريخ وحتى قبل حلّ مجلس الأمة مؤخراً، فقد عاشت الكويت فراغاً سياسياً عميقاً منذ تولي مرزوق الغانم رئاسة مجلس الأمة وحتى انتخابات الرئاسة في 2020.

فقد جاء الخطاب السامي الأخير في توقيت شديد الحساسية وبمنتهى الأهمية، قبل أن يتطور الاعتصام النيابي الذي حدث داخل مجلس الأمة إلى دائرة الغضب والاحتجاج الشعبي عبر منابر اجتماعية وهي "الدواوين" كما حصل في "تجمعات الاثنين" في عامي 1989 و 1990.

بلا شك أن الحمل ثقيل جداً على رئيس الوزراء الجديد الشيخ أحمد النواف، الذي سيقود إصلاحات عميقة تمشياً مع التوجيهات السامية الأخيرة، بعد تداخل الاختصاص بين مجلس الأمة والحكومة بسبب تنازل طوعي لرئيس الحكومة السابق الشيخ صباح الخالد عن دوره لرئيس مجلس الأمة السابق مرزوق الغانم في كثير من الشؤون السياسية.

لقد تجمدت الحياة السياسية كلياً في الحكومة والبرلمان بوجه خاص منذ استقالة رئيس الحكومة الشيخ صباح الخالد وتوقف جلسات مجلس الأمة، بل تجميدها منذ شهور لأسباب مثيرة للجدل الدستوري والسياسي مما قاد إلى استياء جماهيري مشروع من إدارة رئيس مجلس الأمة السابق مرزوق الغانم!

فقد دبت انقسامات جماهيرية شتى في المجتمع الكويتي بين فصيلين، أحدهما ضد النظام الديمقراطي والمطالبة بحّل البرلمان وتعليق الدستور، والأخر هو الأكبر حجماً وثقلاً مع حماية النظام الدستوري من الفراغ السياسي.

وبلغ الاحتدام الجماهيري في وسائل التواصل الاجتماعي وفي الشارع السياسي عموماً بين الفصيلين لدرجة بروز معركة إعلامية بين مناصرين لرئيس مجلس الأمة السابق مرزوق الغانم من بعض نواب الأمة ومواطنين ومعارضين له من مجاميع أخرى نيابية وشعبية.

بلا شك أن التجاهل للصدام الإعلامي والغضب الشعبي وحجم الفراغ السياسي والجمود عموما يزعزع الاستقرار الاستراتيجي، بسبب تداخل وتشابك الاختصاص في السلطتين التشريعية والتنفيذية لدرجة لم نعد نعرف طبيعة الدور التنفيذي للحكومة!

لقد تحولت الساحة الإعلامية إلى معركة شبه وجودية مع رئيس المجلس السابق مرزوق الغانم وأخرى تهدد ديمومة الاستقرار السياسي للدولة ونظامها الديمقراطي.

وليس بصالح الكويت استمرار الاحتقان الشعبي والاشتباك بمعارك إعلامية شرسة ضد ومع رئيس المجلس السابق مرزوق الغانم حتى بلوغ معارك كسر العظام ضد بعض الشيوخ وشخصيات أخرى لدرجة بات النظام الديمقراطي لقمة سائغة لمن لديه عداء تاريخي ضد النموذج الدستوري الكويتي!

إن دستور الكويت يعد حماية لأسرة الحكم والنظام السياسي ككل، لذا جاءت التوجيهات السامية الأخيرة لإنقاذ الكويت من الانزلاق نحو هاوية الصراعات السياسية والتصدي لهيمنة قوى متنفذة على القرار الحكومي ونزعات أنانية ومُدمرة لمصالح الدولة ونظامها السياسي.

تسير الكويت اليوم نحو أفاق ديموقراطية واعدة، ولكن كل ذلك يتطلب وعياً سياسياً وانتخابياً بحسن اختيار نواب الأمة بالانتخابات المقبلة، وهو ما يستوجب الجهاز الإعلامي الرسمي قيادة حملة إعلامية توعوية تتماشى مع التوجيهات السامية الأخيرة وإدراك متطلبات وتحديات المرحلة الراهنة.