منذ أشهر، والشعب مشغول في عرس "الواوية"؛ أغلبية أم توافقية، وانسداد وانغلاق في المجاري السياسية، وحروب تغريدات وطنطات وزوابع تراها وتقرأها، والنتيجة صفر على اليسار. والأصفار هنا هي الدالة، وقيمتها تساوي صفّرا لمعادلة سياسية عراقية لا تنتج إلا الخراب والتهلكة وفقر الحال. بشرى جديدة؛ عودة للحرامية بملابس جديدة، ولعادتهم القديمة.

هذه المرة "إدارة الدولة “؛ تجميع المُجّمع لمنتج فاسد، وتدوير جديد لنفايات سياسية برائحة كريهة عبر استجلاب اللصوص والقتلة وأصحاب رايات التخلف والسلطة والجاه. تسميات مبتكرة لأسماء ليس فيها جديد ألا تكرار للوجوه الكالحة التي جُربت بتجريب الأعمال القبيحة، والشعارات الخادعة بحب الله والشعب وآل البيت. خداع وتمويه وضحك على الذقون. عودة جديدة للتخلف والسرقة بنفس المركب الفاسد. عاد "رنكو" لينتقم هذه المرة!

نسمع عن " المُجرّب لا يُجرّب" شعار المرجعية، الذي تم قتله ودفنه في مقابر الأحزاب الدينية، فالمُجرب السارق يدخل إلى وزارة النفط من الباب ويخرج من الشباك إلى المالية، يتجولون في شوارع السلطة بحرية، وأروقة الوزارات ليسرقوا المقسوم بالمليارات، ويتداولون شيكات الشعب الجائع كغنيمة حلال لفتاوى مجهزة بأوكسجين الطائفة والدين المسيس. مُجرّب للتجريب للمرة العاشرة ضد الكسر!

يقولون مالا يفعلون. وإذا فعلوا فأنها صدقة جارية بفتوى كاذبة وجاهزة. تتجسد فيهم ازدواجية الوردي رحمه الله؛ إذا جلسوا بين الناس في أيام الحُرم ستجدهم من أهل المرجعيّة ورجالها، حيث كرمهم مباهاة سُلطة زائفة، وقيمتهم المليئة باللحم والحمص تعويضاً لما سرقوه، وتضحية مؤقتة من اجل الشعب، وبكائهم خديعة صوريّة أو تكفير مؤقت لذنوبهم. لكنهم في السلطة والمال لهم مرجعيتهم الخاصة المريضة بالنفاق والدجل والتضليل.

ستجدهم في تحالف جديد لإدارة الدولة، وأي دولة هذه الذي يتحدثون عنها، فما بقي منها سوى هياكل من خشب مصاب بالأرضة، وحديد صدأ ومتآكل، وجسور مغلقة بأبواب الحديد والحواجز الكونكرتية لحماية مغاري المنطقة الخضراء، وخرائب حارات ومدن يأكلها الجفاف والتجريف والمنحدرات والمستنقعات الآسنة. هو موطن المخدرات والفواحش والفقر والقتل.

وما تَجِده بين الشعب أوجاع عميقة لا يصبر عليها حتى الأنبياء والأئمة والخلفاء وأبطال التاريخ. بلد يسير إلى الخلف ضد منطق التطور؛ خرج من عصر الرقمية إلى عصر الحجارة، والعصور الوسطى، وتوحش الدم والقتل.

صرنا جار ومجرور في معارك السلطة، يأخذنا السيد إلى الأغلبية، والإطار إلى التوافقية، فلا أغلبية تستطع أن تنتزع السلطة، ولا الإطار أن يأخذها إلا بمساعدة الأرجنتين. خُصام محسوب وفق قياسات الضرب والقسمة، حيث هناك مصالح مدفونة لا ترى بالعين المجردة. والذكي تكفيه الإشارة.

لذلك لا نرى فوزا ساحقاً، وإنما تناطحات غير قاتلة، حيث تُفقد مثيرات اللذة، ويرتفع منسوب اليأس، لأن المعركة مفتعلة أو مقيّدة بفعل فاعل أجنبي، مما يفقدها الإثارة والترقب، مثلما نراها في مباراة برشلونة ومدريد.

ومادام الحديث عن كرة القدم، والصراع بين برشلونة ومدريد، فهو يذكرنا بكرة القدم السياسة العراقية، وهي لعبة ما عادت للفرجة، وإنما صارت رياضة سياسة البطش، حيث العراق كله ساحة عنف، والشعب هو الكرة التي يُركل بقوة بأرجل الأحزاب السياسية بعد أن شبعت بطونهم، وامتلأت أبدانهم، وغرقت خزائنهم بالمال الحرام، فتصلبت قلوبهم، وجمحت نفوسهم.

صار العراقي يلعب به مثل كرة القدم من قبل لاعبين فقدوا الرحمة، حيث السلوك السادي المتوطن في نفوسهم، والركل لشعب ميت غارق بالتحشيش الأرجنتيني، والتغييب بالغيبيات، والصابر على الذل والمهانة "هيهات منا الذلة “!

نعم سنرى شعبا يثور لكنه سينطفئ بسرعة. يثور من اجل حصة منهوبة لمليء المعدة أو قاتمة كهرباء مسروقة أو دواء مفقود. الكل يصرخ (نريد وطن)، حيث هو الوحيد الغائب في العقل. وينك ياوطن!

كما سنرى شباب تشرين وهجاً في سماء الوطن لكن هذا الوهج ينطفئ بين فترة وأخرى، لان القاتل الثالث المجهول هو الجمع الكلي لقبائل السياسة الذين يتفقون على قتل الشباب التشريني بضربة رجل واحد، فيذهب الدم، وُيترك القصاص، ويُقبل بديّة الحكومة كأنها قصة مؤامرة قريش لقتل النبي محمد (ص)، شباب ينتفضون لوحدهم ينتظرون الأموات على الأرض لمساندتهم بالأفعال لا بالأقوال!

دعك من الكلام المعسول الذي تسمعه من رجال السياسة في العراق حول الشعب والوطن والديمقراطية والإصلاح والخدمات، لأن جميعها مفردات بلا معنى على الأرض، وستمع قصصاً عن السياسة والفساد يشيب لها شعر الرأس؛ 350 مليار دولار فقدت من خزائن الدولة، ولم يعد لها وجود لا في خزائن المالية أو البنك المركزي. تنقلت بالسيارات والطائرات لتستقر في بنوك العالم وفي الدول العزيزة على القلب.

والبحث جاري اليوم عن 30 مليار دولار، هدراً وسرقةً، لأنشاء مؤسسة النفط الوطنية التي رفضتها المحكمة الاتحادية والدائرة القانونية في مجلس الوزراء لأنها غير قانونية. ومع ذلك تأسست رغم انف القانون باحتيال ممنهج. صار المبلغ يتداول بين نفس الفلان الفلاني؛ فلان " المالية ليلاً، و"فلان " النفط نهاراً.

وهذا الفلان الفلاني لا يخاف من القانون مادام الحكم بالسجن للفاسدين أصبح أسهل من شرب الماء؛ وقف التنفيذ بسبب صغر سنه رغم إن عمره في الثلاثين والأربعين من العمر. أو عدم وجود سوابق جنائية له. أو لأنه من أبناء عمومة السيد أو الشيخ. كأنهم يقولون للسارق: تفضل أخي أسرق!

وفي السياسة نتفاجأ باستقالة الحلبوسي من رئاسة مجلس النواب بلعبة ذكية مزدوجة اتفاقا كصفقة أو دهاء، وذلك إحراجا للخصوم الذي اتهموه بالعمالة للدول، والصهيّنة والتطبيع، ومع ذلك قدموا له الطاعة المذلة رافضين استقالته من اجل (ثريد) المليارات القادمة من النفط!

أحوال سياسية غير مستقرة، وصفقات مشبوهة، وهرولة للمال والسلطة. وشعب غارق بالمآسي والكوارث والجوع والبطالة، بانتظار عراق يدار بخدعة سياسية مُحدثة، وباسم جديد (إدارة الدولة). والقصة بسيطة؛ فما جرى هو أجراء عملية بواسير سياسية لإزالة بعض الزوائد والثنايا الجلدية من فوهة "الشرج" الحزبي، من اجل تسهيل التغوط السياسي الجديد

قبح الله السياسة العراقية ما ابشعها! ألا قبح الله وجوها تُدمر بلدها، وتقتلع حضارته وجماله. فما بقي في الوطن شيء يستحق أن نفتخر به أمام أفقر الدول كموزنبيق والصومال. ضاع الوطن وين الوطن نلكاه!

[email protected]