رغم أنني كنت من معارضي الإستفتاء الذي نظمه حزب السيد مسعود بارزاني في عام 2017 لإعلان الإنفصال عن العراق، وعبرت عن موقفي هذا ليقيني بأن هدف الإستفتاء لم يكن من أجل بناء الدولة الكردية المزعومة، بقدر ما كان لأجل إبتزاز الدولة العراقية وانتزاع مكاسب حزبية فحسب. مع ذلك وعلى الرغم من أحقية الشعب الكردي في تقرير مصيره مثل سائر شعوب وأمم الأرض، لكن الذي حصل كرد فعل إزاء ممارسة هذا الحق الطبيعي من قبل السلطات العراقية آنذاك كان عنيفا الى حد تجييش الجيوش وقوات الحشد الشعبي لقتال أبناء الشعب الكردي الذي يعتبر وفقا للدستور العراقي جزءا من المكون العراقي. وإنتهى الأمر بإعادة السيطرة على الأراضي الكردستانية المتنازع عليها قبل تطبيعها وحسم إنتمائها الإداري وفق الدستور العراقي. وللأسف ذهبت ضحية هذا القتال غير المبرر المئات من أبناء الشعب الكردي ومنتسبي القوات الحكومية المهاجمة.

السؤال هو: لماذا رفضت السلطات العراقية تلك الخطوة التي لم يستخدم الكرد فيها ولو طلقة واحدة ضد الدولة العراقية؟. هل يا ترى أنه لحرص الدولة على إنتماء الكرد الى العراق وعدم رغبة السلطة بإنفصالهم؟. أم أن الأمر كان مجرد موقف شوفيني هدفه إلحاق الأذى بالشعب الكردي ومنعه من ممارسة حقه في تقرير مصيره؟.

إذا كانت الدولة العراقية وقيادتها السياسية حريصة فعلا على إنتماء هذا الشعب وتعتبره جزءا من الدولة العراقية، إذن لماذا يتعاملون معه الى حد اليوم كمواطنين من الدرجة العاشرة على الرغم من أن الدستور العراقي يقر بكون الكرد جزءا من النسيج العراقي وأنهم القومية الثانية في البلاد؟.

لاشك بأن القيادة العراقية تعلم جيدا حجم المعاناة اليومية التي يعاني منها الشعب الكردي بسبب حرمانه من حقوقه الدستورية والمساواة مع أبناء العراق الآخرين. ولا أريد أن أتحدث عن قطع حصة الكرد من الموازنة العامة للدولة منذ أكثر من ثماني سنوات، وكيف أن الشعب الكردي عانى من الفقر بل حتى من الجوع بسبب ذلك الحصار المؤلم والمريع لأن هذه قضية سياسية لا أريد التدخل في مسبباتها ، فهي معلومة للجميع وتتعلق بإستيلاء حفنة من السياسيين الكرد على مقدرات إقليم كردستان وإنفرادهم بقراره السياسي، ولكني سوف أتحدث عن بعض الحقوق الطبيعية التي يحرم منها الكرد اليوم وبشكل متعمد:

- في ظل قساوة فصل الشتاء حيث تختلف درجات الحرارة في كردستان عن باقي أجزاء العراق، وبسبب الفساد الهائل في مفاصل حكومة الإقليم، فإن المواطن الكردي لم يحرم من الإنتفاع بثروته النفطية في الإقليم فحسب، بل أن الإدارة الكردية حرمته حتى من تجهيزه ببرميل واحد من النفط الأبيض ولو في السنة مرة واحدة. أليس معيبا أن تصدر الدولة العراقية أكثر من أربعة ملايين برميل من النفط يوميا وتعجز عن تخصيص ولو برميل واحد من النفط الأبيض لعائلات كردستان لمواجهة فصل الشتاء القارص؟! .

- نسمع هنا في كردستان بين فينة وأخرى صدور قرارات متتالية بإعطاء السلف من المصرف المركزي أو مصرف الرافدين لشريحة واسعة من المواطنين، منها سلف بناء الدور وشراء العقارات وحتى شراء السيارات الشخصية، أو تقديم السلف لإصحاب المشاريع الصغيرة، في حين أن أي من هذه القرارات لايشمل المواطن في إقليم كردستان؟!.

- تقوم الحكومة العراقية بتجهيز المولدات الأهلية العاملة في المدن العراقية بالوقود المدعوم من الدولة في مساهمة منها لتخفيف العبء على مواطنيها، في حين أنها تمتنع عن تجهيز المولدات الأهليية في مدن إقليم كردستان!.

- هذه أمثلة بسيطة للتفرقة التي تمارسها الحكومة العراقية ضد مواطني الإقليم، ولاحاجة لنا للدخول في تفاصيل أخرى منها، عدم مساواة رواتب المتقاعدين بين أربيل وبغداد، وكذلك عدم توحيد الضرائب الجمركية، أو ضريبة الدخل أو العقار التي ينوء تحتها المواطن الكردي دون أية ضوابط محددة في ظل سكوت الحكومة العراقية عن كل هذه التجاوزات بحق المواطن الكردي. فالى متى تظل الحكومة الاتحادية تتعامل بهذا الشكل المجحف مع شعب كردستان وتحرمه من أبسط حقوقه الدستورية والوطنية؟. والى متى يظل المواطن الكردي المقهور يئن ويعاني من العوز والفاقة في ظل حكومة إتحادية لا مبالية ، وحكومة إقليم غارقة في الفساد؟!.

هذه صيحة غاضبة لجموع الشعب الكردستاني، فإما تعتبرونا عراقيين لنا نفس حقوق المواطن العراقي، وإما دعونا من شعاراتكم الزائفة بالإنتماء والتلاحم الوطني والشراكة المزيفة وهي شعارات لاتسمن ولا تغني من جوع..