أسدلت الكويت رسميا الستار على الفصل الثاني لسجناء الرأي والمغردين الكويتيين من فئات عمرية مختلفة ومن الجنسين بصدور العفو الأميري مؤخراً عن مجموعة جديدة من بينهم بعض المساجين في الكويت والبعض الأخر في بلدان مختلفة بعد قرارات هجرة قسرية.

عمّ الفرح الكويت بعد صدور العفو الأميري للقيادة السياسية ممثلة في سمو الأمير الشيخ نواف الأحمد الصباح وولي العهد الشيخ مشعل الأحمد الصباح بعد سنوات من الشد والجذب السياسي حول هذا الملف الشائك سياسياً.

بلا شك أن سمو رئيس الوزراء الشيخ أحمد النواف الأحمد، نجل الأمير، استطاع أن يوجه ملف العفو الأميري نحو الاستعجال والتعجيل بالمجموعة الثانية المستفيدة من العفو الكريم في وقت سياسي دقيق، حيث تصدم الحكومة مع مجلس الأمة بشأن قوانين مالية.

لا بد هنا من التأكيد على أن السياسات المالية التي انتهجتها حكومات متعاقبة وتحديدا نهج وزير المالية الشاب عبدالوهاب الرشيد لم تكن سياسات حصيفة ولا رصينة مالياً واقتصادياً.

فقد اتسمت معظم السياسات المالية الحكومية أن لم تكن جميعها بالشعبوية أيضاَ، واعتمدت تلك السياسات على الضبابية الاقتصادية والاستثناء في القرارات حيث أصبحت الاستثناءات هي القاعدة في منح الرواتب "الاستثنائية" التي فجرت موجات غضب شعبية مشروعة.

ليس هناك نص قانوني صريح يجيز سرية الملاءة المالية ويحظر عرض استثمارات الدولة السيادية بجلسات علنية، ألا أن الحكومة استمرت بحصر العرض فقط بجلسات سرية للوزراء ونواب الأمة دون مناقشة علمية ومهنية اعتماداً على مقارنة عملية مع أداء الصناديق السيادية العالمية.

ونتيجة السرية المفرطة لأداء الصندوق السيادي الكويتي، فقد تحولت ثروات الدولة إلى مصدر للاستنزاف بسبب غياب المشاركة الشعبية والمعرفة الدقيقة بتلك الموجودات والأصول سواء من قبل حكومات متعاقبة ومجالس الأمة، البرلمان.

ثمة العديد من متطلبات الإصلاح السياسي الشامل التي لم تتحقق اطلاقاً، بل تعثرت بسبب ضيق الأفق في مجالس برلمانية وحكومات سابقة، ولا يمكن عزل المرحلة الحالية عن مراحل سابقة، فالعلاقة وثيقة وذات ابعاد تاريخية منذ العام 2013-2020.

وعودة إلى العفو الكريم، لابد من التأكيد على أن عملية الاندماج الاجتماعي للمشمولين بالعفو الأميري مؤخراً لن تكون بالسهولة المأمولة فالشريحة المستفيدة لا يمكن مقارنتها بالمجموعة الأولى وخاصة نواب الأمة السابقين الذين شملهم العفو الأميري بوقت سابق من العام 2022.

فعملية الاندماج الاجتماعي تتطلب إعادة النظر بالإجراءات الوظيفية لإتاحة الفرص لجميع المشمولين بالعفو العودة لوظائفهم والتمتع أيضاً بما طافهم من امتيازات مالية ومهنية بهدف التحفيز على طي صفحات من اليُتم السياسي والاجتماعي، فثمة اختلاف شديد بين الجرائم الجنائية وسجناء الرأي.

وليس من المعقول ألا يتم الالتفات إلى جوانب اجتماعية وإدارية ووظيفية من قبل الحكومة ورئيسها الأخ سمو الشيخ احمد النواف، فالعفو الكريم يعني خلق بيئة من التسامح والسمو السياسي فوق الماضي وما صاحبه من تعقيدات شتى.

إن الكويت أمام فرص سياسية واعدة جديدة حتى لا يسود الهدم ولا التكسب الانتخابي خصوصا في ظل أنظمة إدارية مهترئة تعتمد على الاستثناءات ووساطة المتنفذين نيابياً ومالياً.

ولعل تبني الحكومة مشاريع قوانين دعم الحريات وإلغاء قوانين مقيدة لها وخاصة ما يعرف بقانون المسيء والحرمان الابدي من ممارسة العمل النيابي :أولوية سياسية، ستفتح بلا شك أبواب التعاون مع مجلس الأمة والشعب ككل.

ومن المهم بمكان أن تجري معالجة حكومية حكيمة وعادلة بعيداً عن اسقاطات مجالس الأمة السابقة منذ 2013-2020، حتى لا يكون مجلس الأمة الحالي مشبك العراقيل والتهاون والتراجع.

نتمنى النجاح والسداد لسمو الشيخ احمد النواف في مساعيه نحو علاقات تعاون وإنجاز مع مجلس الأمة الحالي، فالمتربصين بالشيخ أحمد النواف ورئيس مجلس الأمة أحمد السعدون وعدد من النواب أكثر مما يمكن أن يتصوره الخيال السياسي.

ولعل التعديل الوزاري المحدود على مستوى وزارات المالية والتربية والتعليم العالي والتخطيط والإعلام والأشغال من شأنه معالجة العديد من الملفات المعقدة حكومياً وليس نيابياً.