كان أدب الرحلة دائماً نوعاً شائعاً من بين أنواع الكتابة العربية، في الأدب أو في الصحافة. تراجع أمر هذا النوع قليلاً بسبب الجائحة وقيودها، لتنقضي تلك وتعود السياحة إلى سابق عهدها، فتسجّل انتعاشاً لافتاً منذ بداية الموسم الجاري، فيما تُشير التوقّعات بمعظمها إلى أن قطاع السفر يستعدّ للعمل بطاقته القصوى في هذه السنة.
لعدد شباط (فبراير) من مجلة الرفاهية العصرية How To Spend It Arabic، لم يفُتنا أن نعدّ لائحة ثرية بمقاصد بارزة يمكن زيارتها، أوّلها مصر.
إلى أرض الكنانة يقودنا جيل خوري، في "رحلة خارج الزمن" يشهد فيها على تحوّلات إيجابية كثيرة في أكبر بلد عربيّ سكاناً. يستغرب خوري ألا توحي قاهرة المعزّ بأنها عالقة في الماضي، بالرغم من عظمة التاريخ المصريّ، إنما يراها تتحوّل وتتطوّر، حضرياً وثقافياً على حدٍّ سواء، فيجول في القاهرة الكبرى التي تعادل مساحتها، عند إضافة مدينتَي القاهرة الجديدة و6 أكتوبر الجديدتَين، خمس مرات مساحة بلد صغير كالبحرين، ليلاحظ أنه يتنقّل عبر مستوطنات عديدة مجمَّعة في مستوطنة واحدة، مختلفة كلّها في الشكل وكأنّها رواسب خلّفتها طبقات زمنية متعدّدة من حقبات الفاطميين والمماليك والخديويين، ثمّ حقبة العمارة الحداثية، والرابط بينها ألوانها الرملية وضوء الصحراء الوهّاج.
إلى إيطاليا، في الضفة الشمالية من المتوسط، تصحبنا ماريا شولنبارغر لنطلّ من قمّة تلّة في توسكانا على كروم شاسعة معتنى بها، وعلى غابات كثيفة. فهنا تقطن عائلة تنحدر من سلالة لامعة من المغامرين ومن رجال الدولة والمحسنين، زرعوا عنباً لتقطيره نبيذاً وزيتوناً لعصره زيتاً وحبوباً لطحنها دقيقاً، وعاملوا أرضهم كما عومِلت قروناً عدة، بالقدر نفسه من الاحترام والمهارة والاجتهاد والحكمة. بحسب شولنبارغر، جديد هذا المكان بدأ في عام 1988، حين شاهدت البارونة كاترينا دي رِنزيس وزوجها الراحل، البارون أليساندرو دي رِنزيس سونينو، هذا العقار للمرة الأولى، وكان مؤلفاً من مزرعة تفوق مساحتها نصف مليون متر مربع، وتضمّ مصنعاً للنبيذ في مونتيسبيرتولي، على مسافة قريبة من فلورنسا. كان السقف مليئاً بالثقوب، والكهرباء بالكاد تعمل، والغبار يغطّي المكان. لكن، حين دخلت صالةً مواجهةً للغرب، وفتحت نوافذها المغلقة، كشف نور بعد الظهر مساحةً مزيّنة بالجصّ في حديقة مزخرفة. تقول: "فجأة، غمر اللون الذهبي كلّ شيء، فقلت: 'أريد أن أنجب أطفالاً هنا'".
وكأنها تتمسّك ببساط الريح، تقفز شولنبارغر إلى الضفة الأخرى من المتوسط، إلى المغرب، متوغّلةً في صحراء أكفاي المغربية، على مسافة أقلّ من ساعة من ضوضاء مراكش، حيث تنزل ضيفةً على فندق Caravan Agafay فترقد في واحدة من 20 خيمة منتشرة في مساحة خمسة هكتارات، وتستمتع باستخدام حوضين للسباحة، والعديد من الفضاءات المشتركة، وتتبادل الأحاديث مع ضيوف آخرين فيما يتأمّلون النجوم في الأمسيات.
نحطّ قليلاً في دبي، التي يصفها غاندي المهتار بأنها "عاصمة الأدرينالين"، حيث الانسياق تام لتجارب قلّما يجدها المرء مجموعة تحت سقف واحد. ما لا ينساه هو أن يمشي على ارتفاع 220 متراً. يقف المرء في الأعالي، فوق منصّة Sky Views التي تتوّج الجزء العلوي من برجي فندق Address Sky View، فيرى المدينة منبسطة في صورة جميلة تجمع في إطارها برج خليفة ووسط مدينة دبي وشارع الشيخ زايد. وإن اختار الجبل، فوجهته منتجع JA Hatta Fort، على بعد 90 دقيقة من وسط دبي. إنه ملاذ فعلاً لمن يبحث عن الهدوء، والأروع هو مشاهدة طيور الطاووس تتجوّل في الحديقة بريشها الملوّن الجميل، أو زيارة حديقة النحل.
زوريخ موطنٌ لهواة جمع بارزين ملأوا منازلهم بأفضل الأعمال الفنية من القرن الحادي والعشرين
نقصد زوريخ، أكبر مدن سويسرا وأكثرها ثراء ورفعة من حيث المكانة التاريخية والسياسية، والتي يسود على نطاق واسع انطباع بأنها منمّقة ورزينة وبرجوازية أكثر ممّا ينبغي. لكن لويس وايز ينقل صورة أكثر استرخاء وأشدّ مرحاً عن هذه المدينة التي تتوسّع سريعاً. إنها تستقطب مواهب فنية شابة من كل أصقاع أوروبا، لا سيما أنها تتمتّع بتاريخ ثقافي عريق، فهي شهدت تأسيس الحركة الدادائية الفنية، وتحوّلت إلى ملاذ للفنانين، وهي موطنٌ لهواة جمع بارزين ملأوا منازلهم على التلال بأفضل الأعمال الفنية من القرن الحادي والعشرين. "ما يستهويني في زوريخ هو أن الطبقة اللمّاعة للمدينة تُخفي وراءها هذا النبض الجامح"، يقول ماثيو دا روكا، بائع الأعمال الفنية لدى Bottega Veneta، خلال Art Weekend في زوريخ. يضيف: "إنها مدينة التناقضات غير المتوقعة. تعطي الكثير، لكن عليك أن تبحث عن هذا الكثير".
ولا تنتهي رحلتنا بنيوزيلندا. هناك، إن نظرت إلى قمم جبال الألب الجنوبيَّة المكسوّة ثلجاً وتحتها التلال الخضراء المنبسطة والبحيرات الصافية، فسيكون هذا مشهداً تجده مطبوعاً على زجاجات النبيذ ومحوكات الصوف ومئات تذكارات السياحة. تأخذنا جيسيكا بيرسفورد إلى فلوك هيل، إحدى أفضل المزارع المعروفة في هذا الجزء من نيوزيلندا، وكانت ذات يوم ممرّاً إجبارياً بين الساحلين الشرقي والغربي يستخدمها شعب الماوري للاتجار بالبونامو، وهو نوع من اليشم يصعب العثور عليه في أي مكان في نيوزيلندا باستثناء الجزيرة الجنوبية منها، ويُستخدَم في صنع الأدوات والأسلحة والزخارف. ينتظرك هناك مرشدو فلوك هيل لاصطحابك في جولة على الشلالات والبحيرات والجبال والكهوف المنتشرة هنا، فتصطاد سمكاً في نهري ويندينغ وبروكن، أو تركب الدرّاجة الإلكترونية في مسارات متعدّدة، أو تبحر على متن الكاياك وألواح التجذيف في بحيرة مواناروا، أو تتزلّج في واحد من ستة حقول تزلج في الجوار.
التعليقات