إن اختراق أي مجتمع والإطاحة بقيمه وأخلاقه وتبديلها أمرٌ لا يحصل بمحض الصدفة، بل يسبقه عادةً تخطيط وتنظيم مدروس، يقف خلفه دول وأجهزة استخبارات، ومنظمات معادية وتيارات متشددة أو منحلّة، لا تعرف للاعتدال سبيلاً.
ومن صور ذلك الاختراق تجنيد رموز المجتمع من النخب والمشاهير والمؤثرين، أو ترميز وإشهار شخصيات داخل المجتمع ترتبط بتلك الدول والمنظمات بغية تحقيق أهدافها.

ويعد ذلك شكلًا من أشكال حروب الجيل الرابع، أو الحروب اللامتماثلة. وَيُعَبِّر هذا المفهوم عن الصراع الذي يتميّز بعدم المركزية من حيث تغيّر أسس الحرب وعناصرها، ما يعني تجاوز المفهوم العسكري الضيق للحروب إلى المفهوم الواسع حيث تُستخدم في هذه الحروب أيضا القوى الناعمة إلى جانب قوى السلاح. فهناك وسائل الإعلام والقنوات، وتعمل هذه الأدوات على إنهاك الخصم وتدميره بشكلٍ منهجي، عبر تشتيت الرأي العام حتى يتمكّن الطرف التابع للوسيلة الإعلامية من تحقيق أهدافه وتحطيم الخصم تمامًا.

وتجنيد المشاهير والمؤثرين لخدمة أجندات تلك الدول، ليس أسلوباً حديث الظهور، بل هناك الكثير من الأمثلة التي وقعت في القرن الماضي، وعلى سبيل المثال لا الحصر محاولة جهاز الموساد تجنيد المطرب المصري سمير الاسكندراني. وفي الزمن القريب نجحت تيارات الإسلام السياسي كتيار الإخوان ومفرزاته العفنة " السرورية "، بترميز شخصيات تنتمي لهم داخل المجتمع السعودي للتأثير عليه وأدلجته، ولكن أبى ذلك الاختراق أن يستمر، والفضل أولًا لله- عز وجل- ثم لجهود القائد الملهم الأمير محمد بن سلمان الذي أعلن الحرب عليهم وبادر باجتثاث هذه المفرزات الخبيثة من جذورها والقضاء عليها.

لقد كان المجتمع السعودي مخترقًا. وهذا الاختراق من حُسنِ حظنا لم يدم طويلًا. فالتعليم والإعلام والمنابر كلها وسائل وُظِّفَت ضدنا في وطننا. ومع التطور الهائل في وسائل الاتصال، وهيمنة منصات الإعلام الرقمي كتطبيق تويتر ويوتيوب وتيك توك وغيرها، يحاول الكثير من الأعداء المتربصين اختراق المجتمع السعودي عبر هذه المنصات، وعاونهم في ذلك المؤثرون والمشاهير.

ولنأخذ مثالًا بسيطًا، قصة الفتاة المشهورة من جنسية عربية المقيمة في السعودية ولديها ما يقارب الثمان ملايين متابع في التيك توك، وجُل هؤلاء المتابعين من القُصر والنشء. فقد ظهرت من خلال مقطع فيديو تدعو فيه لجمع تبرعات بشكلٍ غير نظامي لضحايا الزلزال في سوريا وتركيا، عبر شركة وسيطة تبين لاحقًا أنها مرتبطة بقضايا غسيل أموال، وأحد المتنفذين فيها له علاقة قرابة بقيادي في حزب الله الإرهابي. وهذا يعني أنها كانت تجمع أموالًا لدعم منظمة إرهابية معادية للسعودية، وإن كانت لا تقر بذلك صراحةً، فكل المعطيات توحي وتبيّن، ولا يمكن إخفاء الحقيقة. والأدهى والأمرّ أن الشركة نفسها، نظمت فعالية لمخنثين في إحدى الدول!

والملاحظ هنا أن تجنيد هذه "المشهورة" لم يكنْ بشكلٍ مباشرٍ، بل كان عبر شركة تدير الكثير من المؤثرين والمشاهير في الخليج. وهذا ديدن يتبعه الأعداء دائمًا، ولا شك في أن هناك غيرها الكثير من المجندين في خدمة مشاريع الخصوم.
هذه "المشهورة" أنكرت لاحقاً الادعاءات التي وُجِّهَت لها عبر منصات التواصل الاجتماعي، وظهرت بمظهر استعطاف مبتذل، لا ينطلي على مجتمع نبيه، كالمجتمع السعودي، فأنكرت معرفتها بالشركة وبررت غفلتها بصغر سنها. لكن، إن كانت صادقة، وتم استغفالها، فالقانون لا يحمي المغفلين، رغم أنني أستبعد هذا الاحتمال..!

الحقيقة، هي أن المتتبع العاقل لحال الكثير من هؤلاء المشاهير والمؤثرين سيَجِدُ في طرحهم شيئًا من التسطيح والتفاهة والابتذال. لكن المؤسف، هو أن هذا النوع من الطروحات الفارغة قد يؤثر في نفس الكثير من المشاهدين. ذلك لأن متابعتهم على المدى البعيد ستثبط العزيمة، وتهبط الطموح، وتقلل من الوعي والتفكير الناقد، وتخلق جيلًا فارغًا لا يملك أي مقومات للنجاح والإبداع لأن قدوته مشهور تافه أشتهر بسبب كلمة أو حركة لم تضف للحضارة الإنسانية شيئًا سوى أن زادتها همًا وتخلفًا.
لا شك أن أي عدو لوطننا من مصلحته أن يكون المجتمع غير منتج تشيع فيه مظاهر التفاهة وعدم الجد، ولذلك، فأي مشهور ومؤثر يقدّم هذه الطروحات التافهة، فإنه يخدم أجندة العدو، وإن أنكر ذلك.

إذن، يقع علينا واجب مواجهة تفاهة هؤلاء. وذلك عبر استخدام عقولنا. وعلينا ألا نأخذ محتواهم على سبيل الجد، وأن نحصّن أسرنا ومن حولنا منهم، حتى لا نعطيهم ما يريدون من الزخم والتقدير الذي يرفع من شأنهم.

هنا لا بد من التوضيح أن الفكاهة والضحك شيء مهم في حياة الإنسان، ولكن في الحدود المعقولة. ولا بد من التأكيد على أن نقد التفاهة لا يعني الانغلاق ورفض مظاهر البهجة والفرح، وإنما دعوة لتنشيط الوعي.
ولقد قال العرب «يؤتى الحذر من مأمنه»، والمعنى ببساطة هو أن الخطر قد يأتي من حيث أمن الإنسان منه، فهو يحذّر ويحتاط عما يرى فيه خطرا عليه، لكنه ربما يُفاجأ بالخطر والأذى آتيا من شخصٍ أو أشخاص يثق بهم ويطمئن إليهم.