تحيزات الإمبريالية الأمريكية والغرب بشكل عام وتحالفها مع الكيان الصهيوني وجرائمها المتعلقة بإبادة الفلسطينيين وسكان غزة يستدعي إعادة النظر في المفاهيم التي تستند إليها الإمبريالية الثقافية لتبرير جرائمها ضد العرب. فهي تنظر إليهم بطريقة استصغارية، وتستهين بتراثهم الثقافي وقيمهم الأصيلة، وتنظر إلى التراث بصفته "رجعياً وإرهابياً ومتخلفاً"، ما يُساهم في تشويه صورة العرب ومنظومتهم القيمية من خلال تصوُّر الغرب المتمركز على ذاته.

إن مراجعة النظام الفكري الغربي وخياله العنيف والعدائي تجاه الآخر يتطلب نقد هذا النظام وخياله الإقصائي الهادف إلى تدمير الآخر ونفيه وسلبه هويته وإعادة تصويره وتشكيله، كجزء من مشروع الاستعمار والاستيلاء والسيطرة والتلاعب بالآخر وتحديد مصيره.

نقد هذا المشروع ومركزيته يحتم علينا إحياء ثقافة المقاومة، التي تعزز هويتنا وقيمنا المتميزة في مواجهة هذه الثقافة المضادة. ويجب أن نتعامل مع التغيرات الثقافية التي تؤثر على المجتمعات وتهدد القيم الثقافية الأساسية أو تتلاشى في ظل تقدم التكنولوجيا وهيمنة الرأسمالية والشركات الكبرى. يجب أن ندرك أن وسائل الاتصال الحديثة، في زمن العولمة، أصبحت أقوى وسائل صناعة القيم والرموز في حياة الشعوب. وينبغي أن نعمل على تصحيح الخلل الحاصل في مؤسساتنا التربوية والاجتماعية، مثل الأسرة والمدرسة، التي تلعب دورًا هامًا في تشكيل القيم في المجتمعات العربية.

تتسبب وسائل الاتصال الحديثة في تهديد القيم والمفاهيم الثابتة من خلال استخدام الصور كوسيلة ثقافية استعمارية للتأثير على الوعي الاجتماعي. إننا نشهد اليوم تطورًا وحركية سريعة في الخطاب المصور، الذي أصبح أكثر تأثيرًا من الخطاب المكتوب، وذلك بسبب قدرة الصورة على إثارة الشكوك في القيم والمفاهيم الثابتة. ويؤكد عبد الله الغذامي أن التغيير الثقافي ينتقل من الخطاب الأدبي إلى خطاب الصورة، ومن ثقافة النص إلى ثقافة الصورة، مما يؤدي إلى تغيير قوى التأثير الاجتماعي وقادة الفكر.

وبالتالي، فإننا نواجه خطابًا يتحول من وظيفة الترفيه إلى وظيفة ثقافية تستغل الوعي الاجتماعي وتبعده عن قيمه ومفاهيمه الثقافية الأصلية من خلال إنتاج ثقافة زائفة تنتقل بشكل احتكاري من خلال الجوانب الترفيهية والجمالية للصورة، والتي تسيطر الآن على المنتجات الثقافية في المجالات الفنية والثقافية ووسائل الإعلام والسياسة. هذه التشكيلات الثقافية تتحول، كما يقول الان دونو، إلى نظم تفاهة، حيث نحن نعيش في مرحلة تاريخية فريدة من نوعها تتعلق بسيادة نظام يؤدي تدريجيًا إلى سيطرة الأشخاص السطحيين على جميع مجالات الدولة الحديثة.

والخلاصة، إنَّ إرساء نظام قيمي ثقافي خاص بنا، هو السبيل لحفظ خصوصيتنا الثقافية أولاً، وصد محاولات التشويه المتعمد لصورتنا تالياً، حتى تستقيم الصورة.