أكثر من 70 يوماً من الحرب كانت كفيلة بتدمير قطاع غزة الذي يقطنه أكثر من مليوني فلسطيني. وما بين تدمير ممنهج للبنية التحتية وبيوت تهدم على رؤوس أصحابها وأطفال تقتل أمام أعين والديها، يسجل التاريخ واحدة من أقسى مآسي العصر الحديث وواحدة من أبشع المجازر التي ترتكبها يد احتلال في أجمل بقاع الأرض.

هنا غزة... حيث يدفع المدنيون الأبرياء فاتورة الصراع بين قوات الاحتلال الإسرائيلي ومقاتلي حركة "حماس"، في حرب لم تهدأ نيرانها منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر الماضي، إلا بهدنة وحيدة دامت سبعة أيام فقط، بينما استمر إطلاق النار 65 يوماً واستمر معه نزف الصغار والكبار.

هنا غزة... حيث يشتد القصف وتتوالى الأحزمة النارية وسط صرخات الأطفال، ويمر الوقت ثقيلاً، وتتآكل نفوس العائلات بين الخوف والعجز أمام سؤال متكرر: "متى ينتهي القصف؟". ومع توالي الأحزمة النارية، ينتظر الجميع الموت، وتحتضن الأمهات أطفالهن بقوة في انتظار موت جماعي يأتي كخاتمة منطقية لمسلسل القهر والظلم والحصار، ولا سلام في الأفق.

هنا غزة... حيث الخسارة والموت والشقاء. وفي مواجهة استهدافهم وقتلهم بدم بارد وتدمير بيوتهم، يقصد المدنيون مناطق آمنة كمدارس الأونروا، أو ينصبون الخيام في العراء بالقرب من الحدود المصرية، ويمارسون الحياة على الهامش.

في مراكز الإيواء، تندمج العائلات حتى تصير عائلة واحدة، فالنساء تعد الطعام القليل، والشباب يوزعونه على الأطفال والشيوخ ومصابي الحرب وأصحاب الاحتياجات الخاصة والنساء، والصبية يبحثون عن الماء العذب للشرب، وليست تلك بالمهمة اليسيرة. في تلك المراكز المكتظة، هناك خطر يهدد الأطفال والنساء وينذر بكارثة صحية، وهي انتشار الأوبئة في ظل غياب تطعيم الصغار، وهو ما حذرت منه منظمة الصحة العالمية. وقد وثَّقت المنظمة 360 ألف حالة بأمراض معدية في مراكز الإيواء، وهذا ينذر بموت وشيك.

وسط كل ذلك، تزداد بانتظام حصيلة الشهداء والمصابين يومياً، حيث تواصل إسرائيل تعميق جراح الفلسطينيين، ليقفز عدد الضحايا إلى 19 ألف شهيد، 70 بالمئة منهم من النساء والأطفال.

من ينقذ الفلسطينيين من مسلسل الحصار والتجويع والموت الذي يفرضه الاحتلال عليهم؟