كم من الوقت يضيعه الإنسان في الانتظار؟
ولو أجرى عملية حسابية بسيطة،
لتبين له أنه قد أضاع سنوات عديدة من عمره في الانتظار،
وهو ذاك الوقت المستغرق قبل البدء بإنجاز عمل ما، أو حالة ما، أو بعد الانتهاء منه،
وهو آفة كبيرة خفية تبتلع سني العمر،
وما أتعس تعابير نكاد نسمعها يومياً
من أمثال لائحة الانتظار أو قاعة الانتظار.


وتتفاوت أوقات الانتظار وأهدافه؛ فمن انتظار الطبيب لساعات إلى انتظار إشارة المرور الحمراء لدقائق، إلى انتظار رؤية الهلال لمناسبة دينية ما تلبية لمتطلبات الشرائع السماوية! وأحياناً ننتظر في الإدارات العامة والخاصة أياماً أو أسابيع أو شهوراً
لإكمال معاملاتنا.


والانتظار نوعان: بشري ورباني...
والبشري هو ما يفرضه الإنسان على أخيه الإنسان كجزء من موجبات الحياة وانشغالاتها، كانتظار الطبيب أو كانتظار الطالب لنيل شهادته.
أمَّا الرباني فهو خارج إطار تحكم الإنسان وسيطرته،
كانتظار الأم الحامل رؤية مولودها، وكانتظار المزارع سقوط المطر، أو انتظار الفلاح نضوج وقطف ما غرس وما بذر.

والسؤال المهم: هل يستطيع الإنسان تجاوز الانتظار، وماذا سيحدث لو تم ذلك؟
يقيناً سيحدث ما لا تحمد عقباه؛
ستحدث الفوضى بعينها، ويتحول النظام إلى لا نظام، وتسود شريعة الغاب، ويأكل القوي الضعيف،
وتعطل القوانين،
وسيتغلب الأسد فينا على الحمل،
وستنتصر إرادة الحرب على السلام.


إذن، الانتظار ضرورة من ضرورات الحياة،
لأنَّ التعاقب الزمني يوجب الانتظار،
وكل منا يتمنى أن تضاف إلى سنيّ عمره الافتراضي سنوات كبدل عن وقت الانتظار.


السؤال الآخر: هل النظام يتطلب الانتظار، أم أن الانتظار يخلق النظام؟
هذا يشبه السؤال التقليدي: هل البيضة من الدجاجة أم الدجاجة من البيضة؟
لكن يمكن القول إنَّ كل مباشرة بعمل في حياة المرء يسبقها انتظار،
وكل انتظار تعقبه نتيجة...
إذن الأمران متلازمان.

والانتظار زمنياً نوعان: الوقت المستغرق قبل الوصول إلى بداية العمل،
والوقت المستغرق قبل الحصول على النتيجة...
فالانتظار إذن هو الوقت السابق لتحقيق الغاية والهدف،
وبقدر ما للمرء من أهداف وغايات في الحياة، تقابله أوقات انتظار.

والسؤال المتبقي هو: هل سيحد العمل إلكترونياً من وطأة الانتظار؟ لقد تخطى العمل الإلكترونيّ حدود الزمن والمكان، وكذلك حطم علاقة الجودة بالحجم بشكل ليس في الحسبان أبداً. كما أنه تحكم بالجهد البشري المبذول، والمال المنفق، والزمن المتطلب للإنجاز. ولا نعلم ما يخبىء لنا الزمن بخصوص هذه الآفة... آفة الانتظار!