في الأول من آذار (مارس) 2024، شهدت إيران أكبر مقاطعة للانتخابات على مستوى الدولة حتى الآن. وبعد عدة أشهر من الجهود، سعى علي خامنئي، المرشد الأعلى للنظام، وجماعته بشكل مكثف لإبراز شعور زائف بالشرعية على المسرح العالمي، لكن التقارير الأخيرة والاستطلاعات الميدانية على مستوى البلاد كشفت عن أنهم واجهوا هزيمة مدوية.

وفي 215 مدينة في 31 محافظة، تشير البيانات التي تم جمعها من ما يقرب من 2000 مركز اقتراع إلى أن 5 ملايين شخص فقط، أي ما يشكل 8 بالمئة فقط من الناخبين المؤهلين، شاركوا في العملية الانتخابية. وفي نهاية المطاف، تحولت الانتخابات الصورية فعلياً إلى استفتاء، حيث أدلت الغالبية العظمى من الإيرانيين بأصوات سلبية ضد خامنئي.

وبعد أشهر من الترهيب والمناشدات والتحذيرات، لجأ خامنئي مرة أخرى، أثناء الإدلاء بصوته في الساعات الأولى من يوم الأول من آذار (مارس)، إلى الحث والمناشدات.

وحث خامنئي قائلاً: "اغتنم الفرصة في أقرب وقت ممكن وأدل بصوتك في الساعات الأولى. أوصي بأن يصوت الناس بقدر ما هو ضروري في كل دائرة انتخابية، وليس أقل. على سبيل المثال، في طهران، حيث يوجد 30 ممثلاً برلمانياً، يجب على الناس الإدلاء بأصواتهم لجميع الثلاثين، وليس أقل. رسالتي الأخيرة إلى الناس في هذه الانتخابات هي أنه ليست هناك حاجة للاستخارة عندما يتعلق الأمر بفعل ما هو صواب".

كما حث مقر الانتخابات بالشراكة مع وزارة الداخلية الناخبين المؤهلين في الإعلان رقم 23 على عدم تأجيل زيارتهم لمراكز الاقتراع حتى الساعات الأخيرة. وفي الإعلان رقم 24، أعلن المقر أنه يمكن للأفراد الذين يحملون بطاقات هوية وطنية بدون صور المشاركة في الانتخابات.

ويأتي ذلك على النقيض من الإعلان رقم 22، حيث ذكرت القيادة أنه بالإضافة إلى بطاقة الهوية الوطنية وجواز السفر ورخصة القيادة وشهادة الخدمة العسكرية، يمكن للأفراد أيضًا الإدلاء بأصواتهم. إن عدم ختم بطاقات الهوية كان من شأنه أن يكون بمثابة دعوة صارخة للأصدقاء التابعين للدولة لتكرار التصويت والاحتيال المذهل.

ومع اقتراب يوم الانتخابات، استخدم النظام تكتيكات تهدف إلى خداع السكان الذين يشعرون بخيبة أمل متزايدة تجاه الفصائل الحاكمة. وكان الهدف من تقديم قائمة "صوت الأمة" هو خلق الوهم بأن الأفراد المدرجين في القائمة ليسوا أصوليين ولا إصلاحيين. وكانت هذه المناورة بمثابة استجابة يائسة للشعار الشعبي المدوي خلال انتفاضة كانون الثاني (يناير) 2018: "أيها الإصلاحي الأصولي، انتهت اللعبة!" – رفض كافة الفصائل داخل النظام.

وحتى مناشدات المسؤولين السابقين والبارزين، مثل الرئيس السابق حسن روحاني، التي دعت إلى المشاركة في الانتخابات الصورية، فشلت في خداع الناس.

بالإضافة إلى ذلك، لجأت الدولة إلى أساليب قسرية، بما في ذلك زيادة الضغط على السجناء، لإجبارهم على الإدلاء بأصواتهم بالإكراه. ويعكس قرار تمديد ساعات التصويت ساعتين إضافيتين التباطؤ العميق الذي شهدته العملية الانتخابية.

في تقرير مقدم إلى مقر الانتخابات في 1 آذار (مارس)، لاحظت محافظة كوهكيلويه وبوير أحمد انخفاضًا في إقبال الناخبين مقارنة بعام 2020. وأبلغ رئيس فرع المساجد في تبريز مقر الانتخابات أن مستويات المشاركة كانت ربع تلك في عام 2020. وأبلغ مفتش في أذربيجان الغربية مقر الانتخابات المركزي بتدني المشاركة في أرومية، مع عدم ملاحظة طوابير في أي مركز اقتراع. وبحلول نهاية اليوم، لم يتم استخدام سوى ربع الأكشاك الموجودة في أحد الفروع الأكثر اكتظاظًا بالسكان. وفي إحدى مناطق أرومية، قام أفراد محبطون بإلقاء صناديق الاقتراع خارجاً.

بالإضافة إلى هذه التقارير، قام موقع "ركنا" الذي تديره الدولة بتفصيل هجوم على ثلاثة من أعضاء "الباسيج" وهم في طريقهم إلى مركز الاقتراع في شميرانات. أدى الهجوم، الذي نفذته مجموعة مسلحة تستخدم الأسلحة الباردة في دار آباد، إلى إصابة أحد الأعضاء بحالة حرجة، ونقل آخر مصاب بتمزق في الطحال إلى غرفة العمليات، بينما تعرض الثالث لخطر فقدان عينه اليمنى. وفي ميبد وسط إيران، هاجم مهاجم مجهول إمام الجمعة بآلة حادة.

بالرغم من الجهود التي يبذلها النظام الإيراني لتضخيم الأرقام والتلاعب بالإحصائيات، فإن مقاطعة الانتخابات تمثل احتجاجًا شاملاً وبعيد المدى. وبالرغم من محاولات إجبار القوات المسلحة والموظفين الحكوميين وأولئك الذين يعتمدون على النظام على التصويت، كانت المقاطعة حازمة ومنتشرة. وخلافاً لتوقعات النظام، فقد شهدت المناطق الريفية أيضاً إقبالاً ضئيلاً من الناخبين. وبهذا الرفض المؤكد، يكون الشعب الإيراني قد قوض بشكل كبير سلطة خامنئي ونظام الملالي، مما أدى إلى تسريع عملية تغيير النظام.

وبالرغم من أنَّ النظام قد يصور مشاهد مزدحمة ويستخدم أبواقه في الغرب لتصوير رواية مختلفة عما حدث في الأول من آذار (مارس)، فإن مشهد مراكز الاقتراع الفارغة في الآلاف من المدن والقرى الإيرانية ينبئ بالكثير لأولئك الذين يقررون في نهاية المطاف مصير بلادهم. يشير هذا الاستفتاء الذي تمت الموافقة عليه من خلال الامتناع عن التصويت إلى خسارة كبيرة لرأس المال الاجتماعي والسياسي للنظام الإيراني. إنها مسألة وقت فقط قبل أن يعبر الإيرانيون عن أصواتهم وأفعالهم من خلال التصويت الحاسم في الشوارع.