ظهر تعداد جديد للمساكن في إحدى الدول المشهورة بأزمة السكن منذ وقت طويل، وكان التعداد يذكر أن هناك مساكن وبأعداد كثيرة جداً تحتوي على عائلتين أو أكثر، أي بعدد سبعة أفراد أو أكثر حسب ما ذكر في التعداد، وفي مساحة صغيرة في أغلب الأحيان لا تتجاوز مئة متر أو أقل لكل مسكن.

قادتني الأرقام إلى السؤال: كيف تعيش عائلتان أو أكثر في مسكن صغير وكأنه علبة كبريت؟

أحب العائلة الكلاسيكية التي كنت أقرأ وأسمع عنها في السابق، حيث الأب والأم مع أبنائهم وزوجات أبنائهم وأحفادهم في مسكن كبير وواسع، مزود بكل وسائل الراحة والرفاهية، وتدور فيه أحداث مختلفة وتحل بسهولة بسبب التماسك الاجتماعي والحالة المادية المستقرة، لا في مسكن مساحته صغيرة ومكتظ لهذه الدرجة.

الآن أدركت سبب ازدياد المشاكل الأسرية الجنوني، ووصولها إلى المحاكم، وعجز القضاء عن حلها بسبب كثرتها يوماً بعد يوم، بسبب كلمة من هذا وتصرف من ذاك تبدأ مشكلة صغيرة ومن ثم تكبر وتنتهي أمام القضاء ليقول كلمته الأخيرة.

أيضا، أصبحت الآن أعلم سبب عدم قدرة الكثيرين على أخذ قسط من الراحة في يومهم الطويل، فهو يسكن في مساحة صغيرة مع زوجته وأبنائه، يدخلون ويخرجون ويأكلون ويلعبون ويدرسون ويذهبون للحمام، كل هذا وجسده منهك ومتعب ويحتاج للراحة والهدوء التام والنوم لعدة ساعات حتى يستعيد نشاطه، ولهذا لا يستطيعون أداء أي عمل مهما كان بسيطاً، بالرغم من أنهم في السابق كانوا شعلة من الطاقة والحيوية.

كذلك، يظلم بعض الآباء والأمهات أبناءهم حين يجبرونهم على البقاء معهم في مسكنهم، رغماً عنهم، بعد أن يتزوجوا، وطبعاً رعاية الآباء والأمهات واجب على الأبناء ولا مفر من هذا الأمر ولا نقاش فيه، لكن يجب أن يكون المسكن مناسباً من كل النواحي للجميع، وهذا لا يتوفر في السواد الأعظم من المساكن في وقتنا الحاضر.

أيضاً، أسعار شراء وبيع المساكن في ارتفاع مستمر، وبات اقتناء منزل حلماً صعباً بالنسبة إلى شريحة من الشباب، وكذلك بدلات إيجار المساكن المناسبة مرتفعة، فيضطر الكثيرين للقبول بالبقاء في مسكن الأهل.

لست ضد هذا التصرف، فأنا مع أن يقوم الشاب بالعمل والاجتهاد حتى يحصل على بيت الأحلام المناسب له، لكن أن يرتبط ويجلب زوجته للسكن مع أهله وهو ما زال يخطو خطواته الأولى وبالكاد يقدر على توفير أبسط مستلزمات الحياة، فهذا خطأ الكل سوف يدفع ثمنه.