منذ بدء العملية السياسية عام 2003 بعد سقوط النظام السابق، والعملية السياسية لن ترتكز وتستقر لأسباب عدة ربما يطول شرحها، ولكن ما يهم أن القوى السياسية التي ظهرت بعد عام 2003 لم تع خطورة هذا الوضع، وأن العراق الجديد ليس عراق نظام البعث، وأن الرؤية ينبغي أن تختلف عما كانت عليه سابقاً، وأن ترتكز هذه النظرة والرؤية لا على أساس سلوك المعارضة بل على أساس بناء الدولة بعد 40 سنة من التهميش والاقصاء، وان المتوقع أن تكون هناك رؤية موحدة رغم اختلاف الآراء بين القوى السياسية في النهج والفكر، إلا أنَّ الجميع أتفق على أن يكون شريكاً في الحكم، واختلفوا في طبيعة المشاركة والموقع والمصلحة منها.

إقرأ أيضاً: احتلال العراق بداية لتقسيم الشرق الأوسط؟

القوى الشيعية التي تصدت للحكم وضعت استراتيجية واضحة وهي ضرورة أن يشارك الجميع بدون استثناء، وهو أمر رحبت به كل القوى الكبيرة والصغيرة، وأصبح هناك تمثيل للأقليات وحصة لهم في تشكيل الحكومة، وغيرها من الدرجات الخاصة للدولة، ولكن في العمق، ورغم كل الجهود التي بذلت آنذاك من قبل قيادات مهمة كالسيد محمد باقر الحكيم، والذي كان له دور رائد في توحيد المواقف والرؤى بين جميع القوى السياسية، ولما يمتلكه من علاقات متميزة مع القوى السياسية الكردية، استطاع إطلاق رسائل طمأنة للمكون السني أنه جزء من العراق، كما هم جزء من العمل السياسي ومراحل تشكيل الحكومات المتعاقبة.

مقتدى الصدر الجديد في عالم السياسة يرتكز على إرث والده السيد محمد صادق الصدر، واستطاع كسب ود الفقراء والكسبة وغيرهم في تشكيل كتلة اسمها "التيار الصدري"، كانت البداية في انطلاق آماله في أن يكون الرجل الأول في العراق بعد عام 2003، وعمل على أن يحل محل المرجعية الدينية العليا في أغلب المواقف الشرعية، وفتح بابه لاستلام الفتاوى الفقهية رغم عدم إكمال تعليمه الحوزوي، إلا أنه استند على فتاوى والده ونشرها للعامة حتى بعد وفاته، كما هو الأمر نفسه بالنسبة إلى تصديه السياسي وتقدمه في الفهم الاستراتيجي للسياسة وفلسفتها، إلا أن المراقبين يعتقدون أن أغلب قراراته نابع من رؤية عاطفية وآنية دون النظر في الموقف الاستراتيجي أو المصلحة العامة للعمل السياسي، على الأقل من منظوره وليس من منظور القوى السياسية، وركز في نجاحه على ضرورة إقصاء الجميع والمنافسين دون أي تمييز، بل انطلق أكثر من ذلك من رغبته في أن يكون الممثل الوحيد للشيعة في العراق، بعد تحالفه مع الحلبوسي والحزب الديمقراطي الكردستاني، ولكن اصطدمت هذه الخطوة بشيء يسمى الأغلبية المكوناتية، فالتيار الصدري لا يمثل سوى 18 بالمئة من أصوات المشاركين في الانتخابات، أي أنه لا يشكل نسبة وازنة لتمثيل الشيعة في العراق، وهذه ليست أرقاماً إعلامية بل هي مستندات المفوضية العليا المستقلة للانتخابات.

إقرأ أيضاً: الرأس وليس أذرع الأخطبوط

الفترة الماضية اتخذ الصدر خطوات في العودة إلى العمل السياسي من خلال تشكيل جديد حل محل التيار الصدري أسماه "التيار الوطني الشيعي"، والذي سيشارك في الانتخابات القادمة بقوة في محاولة منه لإقصاء وكسر الإطار التنسيقي وإنهاءه، وهو أمر ينظر إليه بعين الحذر، خصوصاً أنَّ أغلب القوى الشيعية ليست طارئة على العمل السياسي، ولها تاريخ طويل في مقارعة النظام البائد وبناء العملية السياسية، بل أن هناك قوى سياسية كبيرة ومهمة قدمت شهداء قارعوا النظام البائد وكانوا ضحية مؤامرات تسقيطية بعد عام 2003، لذلك أعتقد أن آمال الصدر في إنهاء خصومه تحتاج إلى وقفة تأمل في القدرة والأسلوب في ضرب الخصوم، وأنَّ التجارب كثيرة في هذا الواقع.

إقرأ أيضاً: حرب السيوف الحديدية واليوم الذي سيلي

أعتقد أنَّ الصدر رهن عودته بالكثير من المعطيات على الأرض، أهمها وجود إرادة سياسية، ويهدف إلى تأمين نصر حاسم لا يعزز سلطته السياسية فقط بل يشكل مسار الحكم في العراق، والقدرة على تغيير الشكل الاستراتيجي للعملية السياسية برمتها من خلال تغيير شكل النظام السياسي، والذهاب إلى تغيير في الدستور، وهو في ذلك يستند على التحالفات مع القوى الأخرى خارج الإطار التنسيقي وقدرتها على المضي معه في هذه المهمة والتي ليست بالسهلة، وربما تؤدي في النهاية إلى إنهائه وخروجه خاسراً.