أصبح مخيم شاتيلا في لبنان، ويجاوره مخيم صبرا، موطناً لآلاف الفلسطينين الفارين من ويلات الحرب على أراضيهم منذ خمسينيَّات القرن الماضي، الذين لم يجدوا مأوى لهم سوى لبنان، فاستقروا هناك وعاشوا بإمكانيات بسيطة ونصف حياة.
ومع مرور الوقت، تحول المخيم إلى بيت فلسطيني كبير، لكنه يعاني من الظروف المزرية للمعيشة وينزف من ويلات الحرب على الأهل في الوطن الكبير "فلسطين" وتحديداً غزة، ومع ذلك لم تضمد الأيام جراحهم جراء مذبحة الثمانينيَّات التي نُفذت بدعم من جيش الاحتلال الإسرائيلي، فقتل الآلاف من سكان المخيم بدم بارد، شيوخاً وأطفالاً ونساء وشباباً أيضاً.
والآن يعيش النازحون الفلسطينيين في المخيم، بدون أمل في تحسن الأحوال المعيشية من ناحية، أو العودة إلى وطنهم الأم من ناحية ثانية، خاصة بعدما دمر الاحتلال غزة وحولها إلى ركام، لكنهم قرروا مساندة أهلهم هناك على طريقتهم الخاصة، فأطلقوا حملات لمقاطعة السلع والمنتجات للدول الأجنبية التي تساند الاحتلال على حساب الشعب الفلسطيني وخاصة أميركا، كما اشتعلت شرارة غضب الأجيال الجديدة في المخيم بفعل الإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني منذ أحداث السابع من تشرين الأول (أكتوبر) 2023.
مذبحة غزة أعادت لسكان المخيم ذكرى المذبحة التي ارتكبت ضدهم بتحريض إسرائيلي بحت، فمن نكبة 1948 مروراً بحرب لبنان ونكسة غزة يضيع الشعب الفلسطيني ويزداد شتاته، ومع ذلك فإن أيام اللاجئين في المخيم تبدو ثقيلة، فلا تشهد أي تحسن سواء على صعيد الحقوق المدنية أو السياسية أو حتى متطلبات الحياة، وكأنهم لقطاء لم تعترف بهم دولة أو تباح لهم حقوق، كما تسوء الظروف المعيشية هناك يوماً بعد الآخر في ظل غياب حقوق الإنسان، ولم يتبق لهم سوى دعم قليل من "الأونروا"، يستطيعون به البقاء على قيد الحياة.
ورغم أنَّ "الأونروا" هي أكبر مانح لسكان مخيمات اللاجئين الفلسطينيين، إلا أنها اضطرت خلال الفترة الأخيرة لتنفيذ تدابير تقشف شديدة بسبب الحرب في غزة، كما هدد الاحتلال تلك المنظمة بوقف نشاطها والإغلاق التام لمقرراتها.. ولكن إذا أغلقت، فمن يضمد جراح الفلسطينين؟
إنَّ القيود التي تفرض على "الأونروا" انعكست سلباً على الأوضاع الإنسانية في مخيم شاتيلا، التي يسكنها أكثر من 30 ألف نازح فلسطيني منذ خمسينات القرن الماضي، فلا يزال نسل الفارين من فلسطين يعانون على أرض المخيم، لكنهم يأملون في العودة إلى الوطن الأمن قريبا.
إقرأ أيضاً: رفح.. هل ستكون محطة إسرائيل الأخيرة؟
ومؤخراً، أجبرت الظروف الصعبة سكان المخيم على رؤية المجازر التي يرتكبها الاحتلال في عائلاتهم التي تباد من بعد، ورغم ذلك فهم لا يملكون فعل أي شيء وسط ثقل العيش والفقر المدقع وغياب الرعاية الصحية وموت الأطفال في كل وقت. وواقعياً، يعيش الأطفال هناك، وهم أكثر من نصف سكان المخيم، ظروفاً هي الأسوأ من فقر وغياب الصحية والعيش على التبرعات وغياب القانون وشيوع الجريمة والفوضى وغيرها من الظروف السيئة، وعندما توقفت الولايات المتحدة الأميركية عن دعم منظمة "الأونروا" انخفض الدعم لسكان المخيم من 50 دولاراً حتى 30 دولاراً شهرياً، والأزمة تتفاقم وتتوسع إلى ما لا يمكن توقعه!
ربما يتعين على السلطات اللبنانية دعم سكان المخيم، ويجدر بالدول الكبرى، خاصة أميركا، إعادة التفكير في إعادة الدعم لهؤلاء المستضعفين عن طريق "الأونروا" أو منظمات إغاثية أخرى حتى لا يتحول المخيم إلى مقبرة جديدة للفلسطينيين.
ورغم ثقل الحياة في المخيم، مازال هناك بصيص أمل بين الصغار في أن يكبروا ويغيروا المستقبل، بل ويعودوا إلى الوطن للعيش في سلام وحياة كريمة!
التعليقات