ثمانية أشهر مضت على الحرب على غزة، ورغم ذلك لم تجد مساعي التوصل إلى اتفاق يوقف إطلاق النار ويحقق هدنة بين حماس وإسرائيل، طريقاً واضحاً حتى الآن، ففي ظل استمرار الجهود المصرية - القطرية للحل، أكد الرئيس الأميركي جو بايدن على ضرورة ممارسة الوسطاء العرب مزيداً من الضغط على حماس للجلوس إلى مائدة المفاوضات والموافقة على عرضه الذي قدمه للطرفين لإنهاء الحرب.

مقترح بايدن اشتمل على ثلاث مراحل، الأولى تفضى إلى وضع حد للنزاع والثانية الإفراج عن كافة الأسرى ثم الثالثة إعادة إعمار القطاع من دون أي وجود لحماس في السلطة، وبالفعل، أبلغت القاهرة والدوحة حركة حماس بضرورة الاستجابة لجهود الهدنة لحقن دماء الشعب الغزاوي ووقف مسلسل تشريده وتجويعه أو على الأقل إمكانية السعي من أجل قضاء عيد أضحى هادىء في غزة، لكن جاءت الرياح بما لا تشتهي حماس.

يبدو أن دولة قطر كشرت عن أنيابها لقادة حركة حماس في ظل التعنت غير المبرر من الحركة لتحقيق الهدنة، فما زال زعيم الحركة يحيى السنوار يتمسك بأهدافه كاملة التي رسمها عندما خطط لعملية طوفان الأقصى، والتي تطمح إلى زيادة نفوذ حماس السياسي وإعادة حكم غزة مجدداً بل وإشراك حماس في أي عمليات سياسية جنباً إلى جنب مع السلطة الفلسطينية، وكذلك تحرير كل عناصر الحركة من السجون الإسرائيلية، بل وأكثر من ذلك مما يخطط السنوار.

الواقع يشير إلى أنَّ شروط قيادات حماس للهدنة أو وقف إطلاق النار، غير واقعية ولا تعبر إلا عن مصلحة الحركة دون التفكير في الشعب الذي يباد أو العائلات التي تشرد، وكأنما حماس تفكر بالمثل القائل إذا جاءك الطوفان ضع ابنك تحت قدميك!

لكن يبدو أنَّ الوسطاء العرب قد ملوا من الفكر الحمساوي والتعنت المشروط بمصلحة قيادات الحركة ومستقبلها السياسي، لذلك أبلغت القاهرة والدوحة قيادات الحركة بإمكانية التصعيد، وقد يصل الأمر إلى طرد قادة حماس من قطر، وزيادة حدة التوتر بين الطرفين في حالة إن رفضوا الهدنة.

ربما لم تفض تلك التهديدات إلى نتائج إيجابية حتى هذه اللحظة، فبحسب إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، فإنهم لن يوافقوا على صفقة لا تلبي شروط الحركة، وأن الحركة ترفض مقترح بايدن، معلناً استمرارهم في رفض الهدنة رغم ما سجلته الحرب من حصيلة تمثل 37 ألف شهيد حتى الآن وما يقرب من 65 جريح وعشرات الآلاف من المفقودين الذين أكثرهم من الأطفال والنساء والشيوخ.. فمتى تعي حماس حجم الكارثة؟!

من الواضح أن مسؤولي دولة قطر وجهوا انتقادات لقادة حماس فيما يخص صفقة التهدئة، وأعربوا عن خيبة أملهم من قرارات الحركة، وقد يصل الأمر إلى فرض عقوبات عليهم للقبول المقترح الأميركي، أو على الأقل بالمرحلة الأولى منه، لأن كل ما يصدر من تصرفات وقرارات الحركة يؤكد بما لا يدع مجالا للشك أنَّها لا تريد إلا استمرار الحرب ولا تبحث عن حق الشعب في حياة هادئة، بل مصلحتها السياسية أولاً.

الأيام القليلة القادمة قد تشهد انقلاب الكل على حماس وقاداتها، وقد تضطر دولة قطر إلى مطالبتهم بمغادرة البلاد والبحث عن مكان آخر لإدارة الحرب وأوضاع الحركة منه، وهنا ليس أمام حماس إلا تركيا كملاذ آمن قد تستطيع منه أن تدير الحرب في غزة عن بعد - في حال وافق مسؤولي أنقرة -، وكأن الشعب الغزاوي عروس "ماريونيت" تلعب الحركة بمصيره كيفما تشاء.

وبسبب عدم إنصات حماس لتوصيات الهدنة من الوسطاء، أصاب الدوحة الإحباط من حماس بسبب رفضها تقديم تنازلات كافية من أجل المفاوضات ووقف الحرب الإسرائيلية على شعب غزة، وقد تكون الحركة أمام سيناريو آخر وهو تجميد أصول قياداتها، وقد يصل الأمر إلى الطرد بعد قضاء 12 سنة في الدوحة، وبالتالي يضيع جزءاً كبيراً من حاضرها السياسي بل أيضاً مستقبلها الذي تتشدق به دائماً.

وفي حال غادرت قيادات حماس الدوحة ولجأ هنية ومن معه الى مكان آخر، فهل تستجيب الحركة لهدنة جديدة بشروط أميركية تمليها إسرائيل؟ وهل سيكون هنالك متسع من الوقت للتفكير؟ وختاماً، بعد أن أصبحت دبابات العدو تصول وتجول في قطاع غزة وقادة الاحتلال وعلى رأسهم بنيامين نتنياهو يتحدثون عن مستقبل غزة ويعتزمون المكوث طويلاً في معبر رفح، يرادوني سؤال أخير: هل كانت حماس على وعي بخطورة ومآلات طوفان الأقصى؟!