كان المرشد الأعلى للنظام الإيراني علي خامنئي يستعد لصعود إبراهيم رئيسي منذ عام 2019، عندما دعا إلى تشكيل "حكومة حزب الله الشابة". ومن خلال عملية جيدة التخطيط وطويلة الأمد، ومن خلال القضاء على جميع الفصائل الداخلية، وضع رئيسي في مقعد الرئاسة.
كان خامنئي يعلم أنَّ نظامه سيواجه عواصف شديدة، لا يمكن مواجهتها إلا من خلال بيدق مطيع تمامًا أحرق كل الجسور خلفه. وكانت هذه هي الطريقة الوحيدة لمواجهة الانتفاضات الشعبية وإطالة بقاء النظام.
ومع ذلك، فإن وفاة رئيسي المفاجئة قلبت جميع الترتيبات التي اتخذها خامنئي، مما جعله غير مستعد وسط الأزمات واسعة النطاق التي يواجهها النظام.
ونتيجة لذلك، تم توجيه ضربة قوية لنظام الحكم بأكمله. في البداية، ادعى خامنئي أن الأمر ليس مهمًا للغاية و"لن يعطل شؤون البلاد"، ولكن سرعان ما أصبح من الواضح أن القضية كانت أكثر اتساعًا، وتشكل بمثابة "صدمة كبيرة" لجميع أركان النظام.
وفي 5 حزيران (يونيو)، كتبت صحيفة هم ميهن التي تديرها الدولة: "إنَّ استشهاد الراحل السيد رئيسي وفراغ السلطة في منصب الرجل الثاني في البلاد تسبب في صدمة كبيرة لجميع المجالات المتعلقة بالحكم".
ولهذا السبب، سرعان ما انهار النظام الواضح و"التطهير" المخطط له لنظامه.
وخرجت كل النسور السياسية داخل النظام، التي اعتقد خامنئي أنه سيسيطر عليها لمدة عام آخر على الأقل حتى نهاية ولاية رئيسي الأولى، من أعشاشها.
من الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد، مثير المشاكل الذي أسكته خامنئي مؤقتاً، إلى علي لاريجاني، سياسي النظام البارز الذي كلف استبعاده من الانتخابات الرئاسية لعام 2021 خامنئي كثيراً، ومحمد باقر قاليباف، الذي كان من المفترض أن يجمد بعض أزمات النظام التشريعية بمنصبه الجديد كرئيس للمجلس (البرلمان)، أو شخصيات مثل إسحاق جهانغيري (نائب رئيس حكومة حسن روحاني) وعبد الناصر همتي (المحافظ السابق للبنك المركزي)، وأفراد مثل وحيد حقانيان من مكتب خامنئي، وكبير المفاوضين النوويين السابق سعيد جليلي، وعمدة طهران علي رضا زاكاني، ومصطفى بور محمدي، وهو أحد الشخصيات الرئيسية في مذبحة السجناء السياسيين عام 1988، جميعهم سارعوا للتسجيل في الانتخابات الرئاسية المقبلة.
وفي هذا الصدد، قال عباس موسوي، عضو المكتب السياسي لحزب التنمية الوطنية التابع للنظام: "إن هذا النوع من التسجيل الجماعي هو علامة واضحة على التخلف والاختزال في الشأن السياسي، والابتذال السياسي، والقبح العام، وكاريكاتير الدولة". مفهوم الانتخابات، ونمو الشعبوية السلبية في السياسة، واللامسؤولية السياسية، وسيطرة المظهر والطقوس، وبكلمة واحدة، أزمة السياسة والشؤون السياسية. (قناة "چند ثانية”(كم ثانية) على تلغرام 3 حزيران - يونيو 2024).
لكن هذه الابتذال لم يبق على هذا المستوى، بل وصل إلى ما كان يخشاه خامنئي: الاقتتال الداخلي و"الصراعات" بين الفصائل، وخاصة بين صفوفه. وعلى الرغم من تأكيد خامنئي في خطابه الأخير عند قبر الخميني على حث المرشحين على تجنب "التشهير والاتهام والفضائح" التي "تضر بسمعة النظام"، فإن المرحلة الأولى من التسجيل كانت مصحوبة بـ"التشهير" بين مختلف الأفراد والفصائل.
وتم نشر مقطع فيديو لرجل الدين الشيعي مجتبى ذو النور نقل فيه عن قائد فيلق القدس السابق في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني قوله: “إذا أصبح جليلي رئيسا فلن أبقى في فيلق القدس ولو ليوم واحد” (المصدر: اقتصاد نيوز. الموقع الإلكتروني، 28 أيار - مايو).
وحدثت جولة أخرى من الصراع بين وحيد حقانيان ووكالة تسنيم للأنباء التي يديرها الحرس الثوري الإيراني، مما يشير إلى تناقضات عميقة داخل الطبقات الأقرب حول أسرة المرشد الأعلى.
كما كشف ترشيح قاليباف عن تناقضات أخرى داخل المجلس (البرلمان).
في 5 حزيران (يونيو)، نقل موقع فرارو الإخباري عن غلام علي جعفر زاده إيمان آبادي، عضو البرلمان السابق، قوله على موقع X: "أخبرت المستقلين في انتخابات هيئة الرئاسة أن التصويت لقاليباف هو خيانة للنظام. وقالوا إنه وعد بعدم الترشح للرئاسة. قلت إن قاليباف لا يلتزم بأي مبادئ وهو متعطش للسلطة…. وبعد تسجيل قاليباف قالوا أخطأنا".
هذا المستوى من "التشهير" الذي أعقب تأكيد خامنئي ينبع من نفس الأزمة و"الصدمة الكبرى" التي هزت جسد النظام وأركانه.
وبالتالي، فمن الواضح تماماً أن خامنئي فقد السيطرة، وهو يواجه مجموعة من التناقضات، كل واحدة منها يمكن أن تثير احتجاجات جديدة في مجتمع متفجر ومضطرب.
لقد أصبح أضعف بكثير بفقدان مساعده، ولم يعد أحد يلتفت إلى أوامره بمراعاة "الأخلاق" وتهدئة الأجواء. لا سيما أن جميع المرشحين يعلمون أن الشخص الذي يخرج من صندوق الاقتراع، نظراً لحالته الصحية الضعيفة، قد يكون آخر رئيس لخامنئي.
وفي الانتخابات البرلمانية التي أجريت في آذار (مارس)، عندما كان رئيسي لا يزال على قيد الحياة، تمكن خامنئي من الحصول على 8 بالمئة فقط من صناديق الاقتراع، بالرغم من التلاعب بالإحصائيات المزورة في نظامه. وفي الجولة الثانية، لم يتمكن من حشد أكثر من ثلاثة بالمئة. ومن المؤكد أنه في الجولة الجديدة من دون رئيسي، إلى جانب الجولة الجديدة من الاقتتال الداخلي، سيكون الوضع أكثر كارثية بالنسبة إليه.
التعليقات