إذا كان الشعب الأميركي في معظمه متعاطفاً مع الشعب الفلسطيني الذي يُباد في غزة، فإن السياسيين من الديمقراطيين والجمهوريين على حد سواء يساندون إسرائيل في مجازرها التي ذهب ضحيتها عشرات الآلاف من القتلى والجرحى. البيت الأبيض لا يزال يمدّ الكيان الصهيوني بجميع أنواع الأسلحة الحديثة للاستمرار في مذابحه بحق المدنيين الأبرياء العزل. لا يُتوقع من الإدارة الأميركية تغيير موقفها تجاه إسرائيل، فأميركا مع إسرائيل قلباً وقالباً، ويستحيل أن تتخلى عنها أبداً. وما استقبال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في الكونغرس الأميركي بالتصفيق من جميع أعضائه إلا دليل قاطع على تأييد جميع السياسيين الأميركيين لما تقترفه إسرائيل من جرائم بشعة في قطاع غزة.

إقرأ أيضاً: ما صحّة فرضيات المُحلِّلين حول صفقة تبادُل الأسرى؟

أمَّا مظاهرات الجمهور الإسرائيلي في تل أبيب والقدس وحيفا وغيرها من المدن الفلسطينية، فلن تغير من الأمر شيئاً ما دام الجيش الإسرائيلي لم يتلقَّ بعدُ ضربة قاسية في قطاع غزة، ذلك أنَّ إسرائيل لا تعرف إلا قوة السلاح. لن تنسحب من القطاع ولن توقف حربها على الشعب الفلسطيني إلا بعد مفاجأة من المقاومة مثل ما وقع في السابع من تشرين الأول (أكتوبر) الماضي. المسؤولون السياسيون والعسكريون في إسرائيل مصرون على القضاء على المقاومة وقتل وجرح أكبر عدد من الشعب الفلسطيني وتهجير عدد كبير منهم خارج القطاع. إلا أنه في حال تكبد قواتها مئات من القتلى والجرحى، ستلجأ إسرائيل إلى طلب الهدنة وإيقاف الحرب والجنوح إلى المفاوضات والرضوخ لشروط حماس التي وافقت عليها سابقاً وأخلّت بوعدها، علماً أن الخطة هي خطة أميركية وافقت على بنودها حركة حماس.

أما بالنسبة إلى إسرائيل، فهي في مأزق حقيقي؛ فجيشها عالق في وحل غزة. لا يقدر على تحقيق أهداف الحرب، ولا تحقيق ولو صورة نصر، ولا يقدر على إنهاء الحرب بحكم تعنت نتنياهو واستمراره في وضع شروط جديدة في كل مرة.

إقرأ أيضاً: إسرائيل في حرب استنزاف

وقد تضمنت هذه الشروط الجديدة منع عودة من سماهم "المسلحين الفلسطينيين" من جنوب قطاع غزة إلى شماله، والقيام بتفتيش العائدين عند محور نتساريم، الذي يفصل شمال القطاع عن جنوبه، وبقاء الجيش الإسرائيلي في محور فيلادلفيا على الحدود بين غزة ومصر، الذي سيطر عليه في 29 أيار (مايو) الماضي.

إنَّ هذه الشروط التي أضافها نتنياهو إلى ما يسمى "مقترح الصفقة" هي شروط تعجيزية، ولن تؤدي إلى أي صفقة حول تبادل الأسرى الإسرائيليين والمسجونين الفلسطينيين. والغرض من هذا كله هو إطالة أمد الحرب على الشعب في القطاع علّ نتنياهو يحقق ولو نصراً صورياً يقدمه للجمهور الإسرائيلي.