في ظل التحديات الداخلية والخارجية المتزايدة التي تواجه النظام الإيراني، يبدو أن المرشد الأعلى علي خامنئي يسعى جاهداً لإيجاد مخرج من المأزق الذي وضع نفسه فيه. فبعد فشل مشروع "التنقية" الذي قاده إبراهيم رئيسي تنفيذاً لأوامر خامنئي، وفي أعقاب الضربة القاسية التي تلقاها النظام باغتيال إسماعيل هنية في طهران، لجأ خامنئي إلى تعيين مسعود بزشكيان رئيساً للجمهورية، في محاولة يائسة لإعادة ترتيب أوراقه.

ولكن هل يمكن لمشروع "خامنئي - بزشكيان" أن يشكل حاجزاً أمام الانتفاضة الشعبية المتوقعة؟ الإجابة على هذا السؤال تتطلب فهماً عميقاً للوضع الراهن في إيران.

أولاً: من المهم أن ندرك أن تعيين بزشكيان وتشكيل حكومته لم يكن نتيجة لقوة خامنئي أو قدرته على المناورة، بل على العكس، هو مؤشر على ضعفه وعجزه. فقد اضطر خامنئي للتراجع عن نهجه السابق والقبول بشخصية محسوبة على ما يسمى بالعصابة "المعتدلة"، في محاولة لامتصاص غضب الشارع وتهدئة التوترات الداخلية.

ثانياً: تشكيلة الحكومة الجديدة، التي تضم مزيجاً من العصابتين داخل النظام، تعكس محاولة خامنئي للموازنة بين مختلف الفصائل. لكن هذا المزيج غير المتجانس يحمل في طياته بذور الصراع والانقسام، مما قد يؤدي إلى شلل في صنع القرار وعدم القدرة على مواجهة التحديات الملحة.

ثالثاً: الوضع الاقتصادي المتردي في إيران، مع ارتفاع معدلات التضخم والبطالة وانهيار قيمة العملة، يشكل تحدياً هائلاً أمام الحكومة الجديدة. لا يمكن أن يتمكن بزشكيان من تحقيق أي تحسن في الأوضاع المعيشية للمواطنين، مما يؤدي إلى تفاقم الاستياء الشعبي إلى درجة الانفجار.

رابعاً: السياسات القمعية للنظام، بما في ذلك الزيادة الحادة في عمليات الإعدام، تعكس خوفاً عميقاً من اندلاع انتفاضة شعبية. فقد شهدت إيران مؤخراً موجة من الإعدامات الجماعية، في محاولة لبث الرعب وإخماد أي بوادر للاحتجاج.

خامساً: على الصعيد الخارجي، يواجه النظام الإيراني عزلة متزايدة وضغوطاً دولية مكثفة. فشل النظام في التعامل مع الملف النووي وسياساته العدوانية في المنطقة أدى إلى تشديد العقوبات وتقليص خيارات طهران الدبلوماسية.

في ظل هذه الظروف، يبدو أن مشروع "خامنئي - بزشكيان" محكوم عليه بالفشل قبل أن يبدأ. فالتناقضات الداخلية في النظام، والأزمات الاقتصادية المتفاقمة، والضغوط الخارجية المتزايدة، كلها عوامل تجعل من الصعب على النظام الاستمرار في نهجه الحالي.

الأهم من ذلك، وجود مقاومة منظمة وقوية داخل إيران، ممثلة في "وحدات المقاومة" التابعة لمنظمة مجاهدي خلق، يشكل تهديداً وجودياً للنظام. هذه الوحدات، المنتشرة في جميع أنحاء البلاد، تعمل على تنظيم وتوجيه الاحتجاجات الشعبية، وتوفر قنوات للتواصل والتنسيق بين مختلف فئات المجتمع المعارضة للنظام.

إقرأ أيضاً: تصاعد الإعدامات يدفع إيران إلى حافة الانفجار

رغم تصاعد القمع، تستمر المقاومة الشعبية في التحدي. مثالاً على ذلك، وبمناسبة الذكرى الستين لتأسيس منظمة مجاهدي خلق الإيرانية، شهدت مدن إيرانية عديدة أكثر من ستين نشاطاً رمزياً قامت به وحدات المقاومة، متحدية ظروف القمع الشديد. امتدت هذه النشاطات من شمال البلاد إلى جنوبها ومن شرقها إلى غربها، حيث تم رفع شعارات المنظمة وصور مؤسسيها في الشوارع والمناطق الجبلية. كما قامت مجموعات من وحدات المقاومة في عدة مدن بإقامة تحية عسكرية وإطلاق النار في الهواء، مرددين هتافات مؤيدة للمنظمة. هذه الأنشطة تؤكد استمرار المقاومة المنظمة رغم محاولات النظام المتكررة لقمعها.

إقرأ أيضاً: الاحتجاجات كشرارة لإسقاط النظام الإيراني

في النهاية، يبدو أن إيران تقف على حافة انفجار اجتماعي وسياسي. فشل النظام في معالجة المشاكل الأساسية للبلاد، واستمراره في سياسات القمع والإرهاب، يدفع البلاد نحو مواجهة حتمية بين الشعب والنظام. ومع تزايد قوة وتنظيم المعارضة، وتصاعد الضغوط الداخلية والخارجية، يبدو أن الفترة القادمة ستكون حاسمة في تحديد مصير النظام الإيراني ومستقبل البلاد.

محاولات خامنئي الأخيرة، بما في ذلك تعيين بزشكيان، ليست سوى مناورات يائسة لكسب الوقت. لكن الواقع على الأرض يشير إلى أن النظام يفقد سيطرته تدريجياً، وأن الشعب الإيراني أصبح أكثر وعياً وتنظيماً في مواجهة القمع. وبينما يحاول النظام الحفاظ على تماسكه الهش، تزداد احتمالات اندلاع انتفاضة شعبية واسعة النطاق يوماً بعد يوم.