بعد عام ونيف من الحرب الشعواء في المنطقة العربية، وبعد مئات الأحداث العاصفة التي راقبها العالم تتوالى، كان الرد الإسرائيلي على إيران السبت أشبه بالقطعة الأخيرة في لعبة "البازل" الأميركية - الإسرائيلية - الإيرانية، حيث تشكّلت بهذه القطعة الصغيرة الصورة النهائية للحرب.
لم نكن يوماً من هواة نظريات المؤامرة الغربية، إلا أنَّ هذه الحرب أظهرت الغرب والفرس متحالفين بشكلٍ لا يستطيع أحد إنكاره أو غض النظر عنه. فقد ظهر تعاون الغرب والفرس في اغتيال إسماعيل هنية أثناء تواجده في الأراضي الإيرانية، فجاء الرد الإيراني على إسرائيل مصحوباً بمعرفة العالم أجمع بموعد انطلاق الصواريخ والمسيرات الإيرانية وزمن وصولها وأماكن أهدافها، فلم يسفر عن أيّ نتيجة، وانتهى قبل أن يبدأ. واعتبر المراقبون أنَّ الرد كان متواضعاً خوفاً من الغضب الأميركي، وذلك بعد استهداف إسرائيل السفارة الإيرانية في دمشق. توالت الأحداث وبدأت الضاحية الجنوبية في بيروت وجنوب لبنان تواجه المصير ذاته الذي واجهته غزة قبلهما، حيث اغتيل الصف الأول والثاني والثالث من قادة حزب الله اللبناني. وحينها ردّ الفرس بشكل مفاجئ من حيث عدد الصواريخ والمسيرات، لكن تبيّن في النهاية أن تلك الصواريخ رغم كثافتها كانت فارغة، ولم تكن إلا لحفظ ماء الوجه الإيراني. ورغم ذلك، كان الرد فعالاً من ناحية بث الرعب في قلوب من شاهده، حتى ولو لم يسفر عن أي نتائج ملموسة. حينها تأهب العالم لزلزال الردّ الإسرائيلي، إذ كان يُفترض أن يكون ضخماً ومرعباً لكون إسرائيل لم تُضرب بهذا الشكل منذ زمن الرئيس العراقي السابق صدام حسين وصواريخه الـ39. في ذلك الوقت، رد العالم بتحالف وتكاتف ضد قوة العراق لسحقها وإنهاء زمن البعث في بغداد. وهكذا توقع المراقبون أن ينال إيران المصير ذاته بعد اعتدائها السافر. إلا أن الرد الإسرائيلي الواهن قدّم تفسيراً مهماً: العالم لا يكيل بمكيالين فقط، بل يكيل بمئات المكاييل.
إقرأ أيضاً: هكذا فشلت الشيوعية
المفارقة عجيبة، فالدول العربية تواجه القتل والتشريد والتدمير وحرب الإبادة رغم ضعفها وقلة تأثيرها، بينما لا تُواجه إيران، وهي أم المصائب، المصير ذاته. فهل كانت الحرب منذ السابع من تشرين الأول (أكتوبر) خطة أميركية - إيرانية - إسرائيلية لتغيير ديموغرافيا الإقليم العربي وخارطته الجيوسياسية؟ فإسرائيل لم تكن تستطيع القضاء على حسن نصرالله وإسماعيل هنية ويحيى السنوار معاً، إضافة إلى عشرات الآلاف من الضحايا العرب، لولا دعم الغرب والمجتمع الدولي لها بعد الاعتداء عليها في السابع من تشرين الأول (أكتوبر). ولم تكن حماس بكتائبها العسكرية لتجرؤ على شن هجوم مماثل لما حدث، لولا الدعم والتشجيع الإيراني. وهكذا أمست غزة ممسوحة عن بكرة أبيها، ولبنان ينزف، واليمن يحترق، وسوريا ممزقة، والعراق أثقلته الحروب والطائفية والمصائب.
إقرأ أيضاً: الأردن يتنفس الصعداء
قد يُفسر هذا ما قاله دونالد ترامب، المرشح الجمهوري الحالي في الانتخابات الأميركية والرئيس السابق للولايات المتحدة، في إحدى خطاباته عن تلقيه مكالمة هاتفية من أحد كبار المسؤولين الإيرانيين لطلب الإذن بإخلاء قاعدة عسكرية أميركية لضربها في العراق كرد على اغتيال قاسم سليماني. هذا التصريح قد يُفسر أن إيران، صاحبة الأذرع العربية في اليمن والعراق وسوريا ولبنان وفلسطين، ما هي إلا ذراع أخرى للولايات المتحدة، مثلها مثل إسرائيل، وأن من يخالف الرأي الأميركي سيلقى مصير رئيسها السابق إبراهيم رئيسي الذي قُتل في ظروفٍ غامضة بسقوط طائرته بين الجبال الشاهقة على الحدود الإيرانية - الآذرية. نحن هنا لا نتهم الغرب، لكننا بدأنا نشك في كل شيء. هذه الحرب ليست جديدة، فقد اعتاد العرب على الحروب، لكن لا أحد يعرف مصيرها وإلى أين ستؤول نتائجها. ومع ذلك، نعلم يقيناً أن الثأر حق لمن ظُلِم، وأن الظلم وعد لمن هُزِم، وأن الوقت كفيل بأن يُعيد لكل ذي حق حقه. والله من وراء القصد.
التعليقات