مع الإعلان عن التوصل الى اتفاق بين لبنان أو بالأصح بين حزب الله وإسرائيل، كيف يبدو المشهد في بلاد الأرز؟
لا يخفي حزب الله ولاءه العقائدي والسياسي لإيران، وهي التي أنجبته ورعته ومولته، وهي التي تتحكم في قراره السياسي والعسكري.

هناك نقاش دائم في لبنان إشتد خلال الأسابيع الأخيرة حول سياسة الميلشيات الإيرانية في المنطقة، وهناك رأي عام كبير وعريض يدعو الى إستعادة الدولة اللبنانية من قبضة الميليشيات الإيرانية، غير أن نتائج الحرب الحالية تشير الى هزيمة تاريخية غير مسبوقة لإيران في لبنان، حيث ظلت تتوفر لعقود من الزمن على نفوذ كبير متحكمة في الحياة السياسية، طبعا عبر الحزب الشيعي الذي ظل يشكل دولة داخل الدولة، لكن نتائج المفاوضات التي قادها المبعوث الأميركي أموس هوكستين، تؤكد تلك الهزيمة على الرغم من محاولات الحزب الاختباء وراء خطاب "الانتصارات الإلهية".

إن القول بهزيمة ايران في لبنان ليس موقفا بل تقرير واقع، يؤكده اليوم كل المحللين الأمنيين والعسكريين حتى آولائك المقربون من الحزب الشيعي، وإن كان من موقف فهو ليس ضد الحزب لأنه ليس إلا أداة، بل ضد النظام الإيراني الذي يعبث في المنطقة، والذي لم يتخلص يوما من عقيدة تصدير الثورة، في إطار حرب مذهبية أعلنها غداة إسقاط نظام الشاه سنة 1979 فيما سمي "الثورة الإسلامية".
تبقى الملاحظة البارزة هي أنه و على خلاف الصورة التي ظلت لدى الجميع حول القوة الخارقة للحزب قبل الحرب الراهنة، مرغت صورته اليوم في التراب.

طبعا لا يمكن نسيان الجرائم الوحشية التي إرتكبها هذا الحزب في سوريا بغطاء مذهبي أثناء تدخله العسكري في سوريا، فبالنسبة للعديد من المراقبين هذا التدخل هو الذي جعله مكشوفا أمام جهازي الموساد و الشاباك الاسرائيليين، وأجهزة الاستخبارات الغربية، فبعد حوالي ستين يوم من اشتعال الساحة اللبنانية، وبعد أزيد من سنة مما أسماه الحزب "حرب إسناد غزة"، كانت الحصيلة مدمرة بالنسبة له، اذ نجحت إسرائيل عبر عمل طويل ممتد في الزمن اعقب حرب عام 2006، في القضاء على القيادات السياسية والعسكرية والأمنية للحزب، وتدمير جزء كبير من بنيته العسكرية والمالية، ومن منظومته الصاروخية.

وبعيدا عن السردية الإيرانية الشيعية القائمة على مقولات محور المقاومة ووحدة الساحات، ومناصرة الشعب الفلسطيني، أثبتت الأحداث أن هم إيران هو تكريس نفوذها في المنطقة عبر سياسة المليشيات وعبر الحروب المذهبية، غير أن الحرب الراهنة أكدت فشل المشروع الإيراني في المنطقة، وأكدت نهاية الحزب الذي لا يهزم.
ليس هدف حزب الله تحرير فلسطين، ولا دعم غزة، كان وسيظل هدفه الأساسي هو حماية المصالح الإيرانية، أما الشعب اللبناني فلا يطلب سوى إستعادة سيادته ودولته التي صادرتها إيران.

طبعا، لا يهم إيران لا أمن ولا إستقرار لبنان، ودموع التماسيح التي يذرفها الإيرانيون لم تعد تنطلي على احد، وهي التي تعرضت للإذلال ولم تستطع الرد المباشر، لم تستطع الرد عندما تمت تصفيت قاسم سليماني، كما أن ردها على إغتيال إسماعيل هنية في طهران كان مدعاة للشفقة، كان هجومها الصاروخي لإنقاذ ماء وجهها و للاستهلاك الداخلي أمام الشعب الإيراني الغارق في المشاكل الاقتصادية والاجتماعية، أما النظام فهمه الوحيد إعادة انتاج المشروعية التي ينهض عليها، والاساطير المؤسسة لنظام ولاية الفقيه، غير أن التحولات الدولية الراهنة ستزيد من عزلة النظام الإيراني، هذا النظام الذي يمثل النقيض لكل قيمنا ومبادئنا، ايران هي الحالة الأبرز للتعصب المذهبي والتطرف الشيعي، وإستمرار النظام الإيراني الحالي، يشكل عقبة رئيسة امام استئناف العملية السياسية.

من المثير للشفقة فعلا أن ينبري بعض قادة هذا الحزب للقول بأنه قبل إتفاق وقف إطلاق النار، وقبل اغتيال نصره الله، لأن الحقيقة غير تلك، كان الحزب واضحا عندما تحدى أمينه العام السابق إسرائيل أن تعيد السكان الى الشمال، قبل وقف الحرب. هو الان يقبل صاغرا تنفيذ قرارات مجلس الأمن الدولي،الذي ظل لسنوات يرفض تطبيقها لأنها لا تخدم الاجندة الإيرانية.

في غضون ذلك، يتساءل اللبنانيون الذين نزحوا وهجروا من بلداتهم في الجنوب، من يملك قرار الحرب والسلم في لبنان المغلوب على أمره؟ والجواب طبعا أن القرار في طهران وليس في قصر بعبدا، الذي ما زال ينتظر رئيسا منذ عامين بسبب تعطيل حزب الله بتواطئ مع حليفه التاريخي نبيه بري لعملية الانتخاب.

قبل حزب الله اذن إتفاقا مذلا، وهو الذي تفاوض تحت النار. هو إتفاق سيقضي ليس فقط بعودته الى ما وراء نهر الليطاني، بل تضمن "حرية الحركة بالنسبة لإسرائيل في لبنان"، في حالة تعرضها لاي هجوم من حزب الله، وإن صح هذا الامر فإن ذلك يعني عمليا نهاية مخزون الشعارات التي ظل الحزب يرددها، والتي لم تجلب للبنان واللبنانيين سوى الدمار والخراب واللجوء والنزوح، اما المأساة الجارية في غزة فأضحت آخر ما يفكر فيه الحزب المهزوم، لان إسرائيل نجحت عبر هذا الاتفاق في فصل لبنان عن غزة، وأنهت بالتالي أسطورة وحدة الساحات.

إن كان لهذه الحرب المؤلمة من تداعيات لصالح الشعب اللبناني فهي الاجماع الحاصل اليوم لدى طيف كبير من الطبقة السياسية على وجوب إستعادة الدولة اللبنانية، غير أن معركة إستعادة الدولة لن تنجح دون أن يتحول هذا الحزب الى حزب مدني، الى قوة سياسية و ليس مليشيا عسكرية، بما يضمن أن يكون السلاح في حوزة الدولة وحدها، طبقا لمضامين إتفاق الطائف، ساعتها سيكون لبنان حرا مستقلا عن الهيمنة الإيرانية، التي آن لها أن تنتهي، لان سياسات طهران لم تجلب إلا الدمار لبلدان و شعوب المنطقة. لم تبق إيران على كيان الدولة في جميع البلدان التي تمكنت من التسلل اليها، وهي بلدان معروفة على كل حال لا داعي لذكرها.

مع كل هذه المآساة التي حلت محل السلام، ما زالت إيران تدعي زيفا أنها تدافع عن فلسطين، والحال أنها تدافع عن الشيعة لإستعادة المجد الفارسي الضائع، أما السنة فهم بالنسبة لها وقود هذه المعركة وزادها فقط.

صادرت إيران حق وكلائها في المنطقة في إعلان الحرب. ومع استمرار الحرب الراهنة، وما لم يتم إحداث تغيير جوهري في النظام السياسي الإيراني، فإن الازمة في المنطقة ستستمر والطريق نحو السلام سيبقى حلما بعيد المنال.

أما عن علاقة المغرب بإيران فان آخر حلقاتها كان قرار المملكة قطع العلاقات معها بسبب تورط حزب الله في دعم جبهة البوليساريو الانفصالية، وفق تصريح الناطق باسم الحكومة ساعتها، مصطفى الخلفي، وهو الامر الذي أكدته إيران أخيرا في تدخلها أثناء اجتماع اللجنة الرابعة في الامم المتحدة حيث عبرت مندوبتها صراحة عن دعم الانفصال في جنوب المغرب.

هذه هي إيران خطر في المشرق وخطر في المغرب أيضا.