في مشهد لافتٍ أثار موجة من التأملات، ظهر رئيس حكومة إقليم كردستان، مسرور بارزاني، جالسًا أمام رقعة شطرنج، داخل غرفة بطابع معماري يشبه القلاع التاريخية، يتوسطها جدار مضاء بضوء خافت. بالرغم من بساطة الصورة، إلا أنَّ تفاصيلها حملت أبعادًا تتجاوز حدود اللحظة الشخصية، لتستحضر رمزية مرتبطة بأسلوب القيادة واتخاذ القرار في أوقات شديدة التعقيد.
البيادق البيضاء: خطوة أولى تُخبر بالكثير
اختيار البيادق البيضاء – التي تعني أسبقية الحركة في اللعبة – لم يكن عفويًا. قد يرى البعض في هذه الخطوة رمزية إلى نهج يعتمد على المبادرة لا رد الفعل، وعلى حسابات دقيقة قبل اتخاذ القرارات. منذ توليه رئاسة الحكومة في عام 2019، بدأ بارزاني أولى خطواته بمشاريع إصلاحية وهيكلية على مستويات عدة، عكست محاولة للخروج من الأزمات بأسلوب "اللعب الهادئ" لا المغامرة، وهو ما تُجسّده اللعبة نفسها.
الصورة هنا تتحوّل إلى استعارة سياسية؛ إذ يرمز الجدار المضاءة خلفه إلى رؤية مستقبلية لا تزال في طور التشكّل، بينما تشير القلعة إلى رغبة في الثبات وسط زخم التحديات الإقليمية والداخلية.
ما تحقق على الأرض: لغة الأرقام تتكلم
بعيدًا عن الرمزية، يمكن قياس الأداء السياسي والاقتصادي لحكومة الإقليم من خلال نتائج ملموسة تم تنفيذها خلال السنوات الأربع الماضية. بعض هذه المشاريع لم تكن فقط استجابة لحاجة آنية، بل حملت بعدًا استراتيجيًا في رؤية الحكومة.
الكهرباء – مشروع روناكي: زادت القدرة الإنتاجية بنسبة 35 بالمئة، مما أسهم في استقرار التغذية الكهربائية وتقليص ساعات الانقطاع.
البنية التحتية: إعادة تأهيل وإنشاء ما يزيد عن 3000 كيلومتر من الطرق، وبناء أكثر من 200 جسر، لتحسين ربط المدن والمناطق الريفية.
إدارة المياه: تشييد 15 سدًا جديدًا لتعزيز الأمن المائي ودعم الزراعة.
البيئة: إطلاق 10 محطات لمعالجة مياه الصرف الصحي، وتنفيذ مشاريع تشجير وتنظيف في أكثر من 100 موقع.
التواصل الحكومي: أكثر من 500 لقاء مباشر بين رئيس الحكومة ومواطنين وشرائح مجتمعية مختلفة.
الشفافية – مشروع "حسابي": منصة إلكترونية تتيح للمواطنين الاطلاع على المصروفات الحكومية، بهدف إشراك المجتمع في الرقابة والمساءلة.
الرؤية السياسية: الواقعية بدل التصعيد
تعتمد رؤية مسرور بارزاني على تثبيت دور إقليم كردستان ضمن عراق اتحادي دستوري، يستند إلى الشراكة لا التبعية. هذا النهج لم يكن خاليًا من التحديات، خصوصًا في العلاقة مع الحكومة الاتحادية بشأن الملفات المالية والنفطية والمناطق المتنازع عليها. ومع ذلك، ظل الخطاب السياسي لحكومة الإقليم متمسكًا بالدستور كمرجعية لحل الخلافات، وهو ما يتطلب حوارًا مرنًا وواقعيًا دون التنازل عن الحقوق.
يشير بعض المراقبين إلى أن هذا التوازن بين المطالبة والتهدئة هو ما منح الإقليم مساحة حركة خلال سنوات متوترة سياسيًا واقتصاديًا في العراق والمنطقة.
سياسة بخطى الشطرنج
لا تُقدّم صورة مسرور بارزاني مع رقعة الشطرنج مجرّد مشهد رمزي، بل تعكس فلسفة أوسع في العمل السياسي؛ حيث لا تُتخذ القرارات بعفوية، بل بخطوات محسوبة، تتطلب الصبر والقراءة الدقيقة للمشهد. ربما تبدو بعض الخطوات بطيئة، أو حتى دفاعية أحيانًا، لكنها – على غرار الشطرنج – تحمل في طيّاتها حسابًا لما هو أبعد من اللحظة.
التعليقات