أمر محزن بل صادم، معيب واعتداء وجريمة من حكومة الإطار التنسيقي الولائي اللا شرعية بحق الدستور والقيم والمواثيق.
نعم، إنها سياسة تمييز عنصري هدامة تستهدف الكورد في حريتهم وحقهم بالحياة الكريمة في دولة العراق وكيانها السياسي الاتحادي الاختياري.
بالأمس كانت كوردستان الملجأ الآمن لكل من تعرض للاضطهاد العرقي أو الديني أو الإنساني، وكم تحملت مدن وقرى وشعب وقيادة كوردستان من حملات الغضب والجيوش الجرارة، وكم تحمل شعب كوردستان من التشريد والإعدامات حتى الإبادة الجماعية والأسلحة المحرمة. ومع هذا لم يتخلَّ الكورد عن حماية ضيوفهم ممن لجأوا إليهم، ولم تتخلَّ القيادة الكوردية عن حقوق الكورد في الحرية وتقرير المصير.
وعندما سقط النظام في 2003، اختار الكورد وحدة العراق الدولة، وأعلنوا وساهموا في حماية العراق من الانهيار والتجزئة والضياع، وحضروا إلى مجلس الحكم، وكل النخبة السياسية وقتها تعلم كيف ترفع الرئيس مسعود بارزاني عن الخضوع للسفير بريمر، في حين كان غيره مثالاً للطاعة المذلة أمام بريمر. والكل يتذكر كيف قررت القيادة الكوردية وأمرت الجميع بعدم الانتقام من العرب من عناصر الجيش والنظام، وقام الكورد بحماية أمنهم وكرامتهم وحريتهم بالعودة السالمة إلى أهلهم ومناطقهم، بغض النظر عمّا جلبه النظام البائد من ظلم وإبادة وانتهاك لكل القيم والمواثيق الوطنية والدولية.
بعد 2003، لعب الكورد أدواراً أساسية في حماية عرب مجلس الحكم وأحزابهم وقياداتهم من التنافس والصراعات، بل وكان أحدهم يطعن بالآخر. وأتذكر دعوات الغداء والعشاء في بيت المرحوم جلال الطالباني، وهو يتوسط ويقرب وجهات النظر بين العرب السنة أو بين أطراف الأحزاب الشيعية المتنافسة، وكيف كان هذا التحرك المهم مدعوماً من الطالباني بهدايا مالية سخية استلمتها كيانات وقيادات بارزة عربية إسلامية. وكيف كان دور المرحوم روش نوري شاويس، وإذا ما اشتدت الأمور، يحضر الرئيس مسعود بارزاني، وبحجمه وجهوده مع المرحوم جلال الطالباني، تجاوز نظام بغداد أزمات ولادته وعدم خبرة أغلب قيادات العرب السنية والشيعية بعد 2003. ناهيك عن أن الكثيرين جعلوا من أربيل والسليمانية بيوتاً لحماية عوائلهم من الصراع الدموي الطائفي وقتها، أو من خطر القاعدة والعصابات المسلحة.
نعم، والكل يتذكر كيف كان السياسيون يحجون إلى أربيل للفوز بدعم كاك مسعود بارزاني في الحصول على رئاسة الوزراء، وكم قدموا الوعود أمامه للالتزام بالدستور والشراكة الوطنية والاتفاقيات الحكومية والسياسية، وما إن يحصل أحدهم وحزبه على الكرسي حتى ينقلب بوضعية عنصرية طائفية انتقامية من الكورد وكوردستان. وشخصياً، عشت كيف كلفني ثلاثة مرشحين لمنصب رئاسة الوزراء بدعمهم لكسب ثقة البارزاني، وهم يطلقون الوعود والكلام الناضج الديمقراطي.
أحدهم، بعلمي، وصل إلى كرسي رئاسة الوزراء، ولولا الكورد لعاش وزيراً منسياً مستهلكاً. وكيف جاءني طلب في منتصف الليل لمساعدته بلقاء كاك مسرور، حيث يظن هذا الشخص وآخرون أنني أستطيع الاتصال المباشر مع القيادة الكوردية، وهذا غير دقيق. والصحيح أنني أستطيع طرق أبوابهم، حالي مثل الكثيرين من العرب والكورد.
نعم، لا زلت أتذكر كيف استخدمت الحكومة في بغداد الرواتب لابتزاز القيادة الكوردية وإخضاعها لنزوات الحاكم القاصر في بغداد، وكيف هي الإملاءات الإيرانية بهدف السيطرة على الكورد وكوردستان. وكلنا نتذكر مواقف واشنطن الهشة إزاء أحزاب الحكومة وميليشياتها في استهداف مدن كوردستان بالعبوات والقذائف الصاروخية والطائرات المسيرة.
واستمر الكورد في عطائهم، ومع سقوط محافظات العراق في يد داعش، قصد كوردستان في دهوك والسليمانية وأربيل ملايين العرب، بنسبة عالية من السنة، ومن أهلنا الشيعة من بغداد والمحافظات الجنوبية، أو من الشيعة سكان الموصل وديالى وصلاح الدين والأنبار. ورغم الضغط الأمني والسكني والخدمي، استقبلت كوردستان العرب النازحين والهاربين بقلوب مفتوحة شعبياً وحكومياً.
ونتذكر كيف رد مسعود بارزاني على مشكلة حدثت بين شباب كورد وعرب قائلاً: "كلهم ضيوفنا"، وأوصى بتعليمات دقيقة لتحمل الضيوف وإكرامهم، حتى إذا أخطأ أحدهم. نعم، وكيف صدرت التعليمات لحكومة كوردستان بتقديم الخدمات الصحية وغيرها للعرب، حالهم حال المواطن الكوردي.
وكيف فُتحت آلاف المدارس لاستقبال أطفال النازحين، وأغلب هذه المدارس تحملت حكومة كوردستان إيجاراتها ونفقاتها، ورغم الفراغ الأمني الكبير في بغداد والمحافظات، كانت التعليمات للأجهزة الأمنية الكوردية بالتعاون مع العرب النازحين وتسهيل أمورهم وحمايتهم. وبلغ عدد النازحين وقتها أكثر من مليونين عربي، ومنهم مليون عربي استقر بين أهلنا الكورد وفي كوردستان ليأمن هذا. ولا بد هنا من الإشارة إلى الدور الإيجابي للجوامع والكنيسة في كوردستان باحتضان النازحين، في مظاهرة وطنية أخلاقية إنسانية يتذكرها النازحون باعتزاز وامتنان وعرفان.
إلا أن الحكومة تسارع إلى تحويل أي نقاش أو اختلاف سياسي إلى عقاب جماعي للمواطنين والموظفين الكورد. وهنا، ليعلم ويتعلم سياسيّو الصدفة أن أعداداً كبيرة من العراقيين غير الكورد هم موظفون في كوردستان، في القطاعات الصحية والطبية والتربوية والصناعية، بل وأعداد كبيرة في وزارتي الداخلية والبيشمركة من عرب المناطق المتنازع عليها، بل وبغداد والبصرة.
وليَعلم العنصريون أن الزمالات الدراسية للدراسات العليا فيها من العرب سكان كوردستان بعد 2003، وأُرسلوا على حساب حكومة كوردستان، وأكملوا دراستهم، والآن هم موظفون، ومنهم في القطاع الجامعي، في الوقت الذي تحرم فيه وزارات الحكومة الاتحادية في بغداد، وبمنهجية طائفية وعنصرية، المواطنين العرب وغير العرب من حقوقهم، وليس آخرها السياسة العنصرية الناقمة على استقلالية حكومة كوردستان ونجاحاتها، مقابل خنوع قرارات حكومة بغداد إلى الميليشيات والنزوات الولائية الإيرانية.
إن تجويع كوردستان هو جريمة تمييز عنصري أبارتايد، وما على الحكومة إلا التعجيل برفع هذا الظلم، ولجم انفعالات وزراء الصدفة، والإعلام المحرض المأجور.














التعليقات