بعد تفعيل آلية «الزناد» وعودة بعض العقوبات الأممية، دخلت إيران مرحلة جديدة من الأزمة؛ أزمة يغذيها من جهة تصاعد الضغوط الاقتصادية، ومن جهة أخرى السياسات القمعية المتزايدة للنظام. وفي الداخل، تشهد البلاد موجات متصاعدة من احتجاجات العمال والمتقاعدين والطلاب والمزارعين، بينما اجتمع في نيويورك آلاف الإيرانيين الأحرار أمام مقر الأمم المتحدة الأسبوع الماضي لإيصال صوت الشعب الإيراني إلى العالم والمطالبة بدعم خطة التغيير الديمقراطي.
أول ملامح هذه الأزمة يتجلى في الارتفاع غير المسبوق لأسعار السلع الأساسية وتدهور القدرة الشرائية للأسر. تقارير رسمية عديدة تؤكد تضخم الأسعار وتضاعف كلفة المواد الغذائية والدوائية، وهو ما جعل شريحة واسعة من الطبقات الوسطى والدنيا تحت ضغط معيشي خانق. هذا التدهور يطال الحياة اليومية بشكل مباشر، في وقت تُستنزف فيه موارد الدولة في مشاريع نووية وصاروخية وفي دعم أذرع إقليمية وأجهزة قمعية، بدلاً من توجيهها لحلّ المشكلات البنيوية للاقتصاد.
إن الهوّة بين حاجات المجتمع وأولويات النظام تغذي حالة الغضب الشعبي وتدفع إلى اتساع رقعة الاحتجاجات. فقد شهدت مدينة الأهواز وقفات عمالية في مصانع الفولاذ، كما نظم متقاعدو الاتصالات تجمعات في عشرات المدن، وبدأت الجامعات بدورها تشهد تحركات طلابية احتجاجية. هذه الحركات لم تعد ذات طابع مهني أو فئوي بحت، بل تحولت إلى تعبير عن سخط اجتماعي عارم تجاه الفساد والسياسات الفاشلة. محللون في الداخل والخارج يحذرون من أن استمرار هذا النهج سيدفع الاحتجاجات إلى تجاوز الإطار المطلبي لتتحول إلى حراك سياسي واسع.
في المقابل، يعتمد النظام على القمع والتهديدات القضائية والأمنية لمواجهة هذه الموجة. غير أن تجربة السنوات الأخيرة أثبتت أن القبضة الأمنية لا تعالج أسباب الأزمة، بل تؤدي إلى تراكم الغضب وتوسيع الهوة بين الشعب والسلطة. دائرة «الأزمة – القمع» هذه تجعل مستقبل النظام أكثر هشاشة وتزيد من احتمالات الانفجار الاجتماعي.
أما في الخارج، فقد شهدت نيويورك في الأسبوع الماضي تظاهرة حاشدة للإيرانيين الأحرار أمام مقر الأمم المتحدة، حيث دعوا المجتمع الدولي إلى ممارسة الضغوط القصوى على النظام عبر استخدام آلية الزناد، وأكدوا دعمهم لخطة النقاط العشر التي طرحتها السيدة مريم رجوي من أجل إقامة إيران حرة ديمقراطية تقوم على فصل الدين عن الدولة والمساواة بين المواطنين. هذا التلاقي بين صوت الداخل الغاضب وصوت الجاليات في الخارج يمكن أن يشكل رافعة حقيقية لتعزيز الضغطين الداخلي والخارجي معاً ويفتح آفاقاً جديدة أمام التغيير السياسي.
الاستنتاج الواضح أن المرشد علي خامنئي وأركان النظام لا يملكون حلولاً عملية للأزمات سوى مزيد من القمع، وهو خيار لا يوفر سوى مسكنات مؤقتة، بل يفاقم عوامل الانفجار. ومن هنا فإن المرحلة الحالية تتطلب جهوزية أكبر من قِبل القوى المعارضة والناشطين في الداخل والخارج للتنسيق وتوحيد الجهود من أجل إيصال مطالب الشعب والدفاع عنها في المحافل الدولية.
لقد أثبت التاريخ أن المجتمعات التي تعاني الفقر واللاعدالة وانسداد الأفق السياسي تتجه عاجلاً أم آجلاً نحو انفجار شامل للمطالب. واليوم، أكثر من أي وقت مضى، يبرز واجب العمل المشترك من أجل فتح الطريق أمام تغيير سلمي وديمقراطي يعبر عن الإرادة الحقيقية للشعب الإيراني.













التعليقات