حينما يتصدر مقطع فيديو أو منشور ما مواقع التواصل ويصبح رائجًا على منصاتها الرقمية، يُسارع كثير من المستخدمين إلى توجيه أصابع الاتهام نحو "الخوارزمية"، وكأنها قوة غامضة تسيطر على مزاج وذوق الجمهور وتملي عليهم ما يشاهدونه من دون أي تفاعل أو رد فعل من جانبهم.
وبالرغم من شيوع هذا التصور لدى كثير من الناس، إلا أنه مضلل إلى حدٍّ كبير، ويُخفي جانبًا مهمًا من الحقيقة قد يكون أكثر تعقيدًا وعمقًا من مجرد اعتبار الخوارزميات هي المسؤولة عما يحدث في المنصات.
فالخوارزميات لا تبدأ بتوسيع نطاق المحتوى إلا بعد أن يضخمه الناس بتفاعلاتهم؛ من خلال الإعجابات والتعليقات والمشاركات، أو حتى بمجرد التوقف أمام المحتوى لثوانٍ إضافية، ثم تعمل هي، أي الخوارزمية، على مضاعفة حضوره وانتشاره.
وبمعنى آخر، أن هذه الخوارزميات تُبرز المحتوى الذي يتفاعل معه الناس أكثر، وهذه السلوكيات هي التي تجعل مقطعًا رائجًا على حساب آخر، ما يعني أن المستخدمين شركاء أساسيون في الترويج لمحتوى دون غيره.
ومع ذلك، فالشركات المالكة لتلك المنصات ليست مجرد متفرج محايد، بل قد تتدخل في تضخيم قضية على حساب أخرى، وأحيانًا تمنح بعض الموضوعات مساحة أوسع أو تدفعها قسريًا إلى واجهة النقاش العام، بدوافع وغايات متعددة قد تكون تجارية أو سياسية أو حتى بهدف إدارة الأزمات، أو من أجل إجراء تجارب معينة على المستخدمين لمعرفة تفضيلاتهم، وغيرها من الخصائص التي تخدم استراتيجياتها.
إن الفهم العميق لطبيعة التفاعل الرقمي يكشف لنا أن تحميل الخوارزميات المسؤولية الكاملة عمّا يجري هو نوع من الاختزال والتبسيط المفرط، وإغفال، مؤسف، لدور المستخدم نفسه في صناعة وتشكيل المحتوى الرائج على المنصات.
وبالتالي، فإن إدراك هذا التداخل بين دور المستخدم والخوارزمية سيجعل الصورة أمامنا أكثر وضوحًا، ويحررنا من النظرة البسيطة الأحادية، ويضعنا أمام المسؤولية الحقيقية لرواج محتوى معين دون غيره، وهو ما يستدعي ويتطلب مراجعة كل سلوكياتنا، مهما كانت غاياتها، ونحن نتصفح مواقع التواصل ونتعامل معها.














التعليقات