&
أحمد نجيم -مراكش إيلاف: قال المخرج الإسرائيلي أموس غيطاي في حوار مع "إيلاف" إن التحالفات الحاكمة في الشرق الأوسط متفقة على عدم التوصل إلى حل سلمي بين الفلسطينيين والإسرائيليين، لأن ذلك لا يخدم إيديولوجيتهم المبنية على ضرورة وجود "عدو". وتحدث في حواره هذا عن فيلمه "كيدما" وعن علاقته بإليا سليمان، كما قدم تصوره لبناء السلم بين الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي. وأشار إلى مشروعه المستقبلي.

*فيلمك الشهير يحمل اسم كيدما، ما هي الدلالة اللغوية لهذا الاسم؟

*كيدما كلمة عبرية رمزية تعني "في اتجاه الشرق"، وهي في الأصل كلمة عربية مشتقة من "القدم"، بالنسبة للسكان في حقبة زمنية عابرة فالشرق والقدم سيان، إنه مفهوم زمني وتاريخي في الآن معا، ولهذا ارتباط بفكرة مركزية في تفكير هؤلاء الناس وهي أن الإنسانية بدأت من الشرق.
لذا ففي الفيلم أطلق مجموعة من الناس اسم "كيدما" على باخرة حملت الشخصيات من أوربا في اتجاه الشرق. اعتقد هؤلاء أنهم بوصولهم هذا الأخير سيصلون إلى الجنة، غير أن الواقع كان مخالفا، حيث صادف نزولهم حرب 1948. أظن أن هذا الواقع لزم إسرائيل منذ نشأتها، فعاشت للا طمأنينة.

*أتعتقد أن الخروج من هذا الوضع سهلا، وكيف السبيل إلى ذلك؟
*هذا متعلق بالدرجة الأولى بالشعبين الفلسطيني والإسرائيلي، فإذا اقتنعا بضرورة الحوار واحترام كل واحد منهما للآخر، حتى وإن كان مختلفا على مستوى العقيدة، فإن ذلك يشكل خطوة أساسية نحو السلم. لاحظ أن كل نزاعات العالم هناك جانب مادي متعلق بالأرض، لذا فأنا أعتقد أن الإبداع قادر على المساهمة في مص هذا الصراع وخلق أسس للتفاهم بين الشعوب.

*تتحدث أخبار بين الفينة والأخرى عن هذا التفاهم بين الشعبين، فقضية الإسرائيليين الذين عالجهم الفلسطينيون بعد فترة حصار، أتعتقد أن الشعبين قادرين على التعايش؟
*للأسف الشديد التحالفات الحاكمة في الشرق الأوسط متفقة على أن لا يتم التوصل إلى التوصل إلى حل سلمي، لأن السلم لا يخدم الوطنيين في الجانبين، ثم إن خلق "العدو" يخدم إيديولوجية كل واحد منهم. فإسحاق رابين قتلته هذه الأيادي وهذه المصالح. إن هذه الأيادي متعطشة لتدمير كل الأفكار الراغبة في بناء السلم بين الشعبين.

*نعود إلى السينما هل تفكر في إنجاز عمل سينمائي مشترك مع مخرج فلسطيني كإليا سليمان مثلا حتى تؤسس لهذا البناء السلمي بين الشعبين؟
*سبق لي أن أنجزت مشروعا مشتركا معه، فقد كنا مدعوين من قبل مهرجان صغير في فرنسا، وقررنا إنجاز فيلم عن رحلتنا التي دامت أربع ساعات، ناقشنا خلالها السلم والحب والأمل، غير أننا عندما وصلنا طلب منا المنظمين أن يقيم كل واحد في فندق منفصل عن الآخر، والسبب أنني إسرائيلي وإليا فلسطيني. لم يقتنعوا عندما أخبرناهم أننا أصدقاء، وفي اليوم التالي كانت هناك ندوة صحفية مع إليا فاستعان بي للقيام بالترجمة لأنه لم يكن يتحدث اللغة الفرنسية.
&
*لكن هل هناك مشروع سينمائي مشترك في المستقبل؟
*هذا جانب يخصنا ويجب أن يرى النور بطريقة عفوية كي يساعد على هدم السور بين الشعبين لا أن يتحول إلى طلب على مرحلة آنية. كما لا يجب أن نتحول إلى ناطقين للشعبين، فنحن مخرجان ولسنا سياسيين.
&
*أتعتقد أن السور سيتهدم ؟
*يجب العمل على هدمه فهو من يسقط من تلقاء نفسه.
&
*أيمكن أن يتحقق ذلك بواسطة السينما من خلال ترجمة نسخة من فيلم "كيدما إلى اللغة العربية"؟
*نشتغل مع قناة آرتي الفرنسية الألمانية في مشروع في هذا الاتجاه، وهو مشروع يسمح بالتواصل السينمائي بين العالم العربي وإسرائيل. هذا المشروع يسمح بالخروج من هيمنة ورقابة الشركات الكبرى للتوزيع المتحكمة في السوق.

*كيف تلقى الفلسطينيون فيلمك "كيدما"؟
*أشير إلى أنني ركزت في كتابة سيناريو الفيلم على بعض الأعمال الأدبية الفلسطينية، وخاصة أعمال الأديبين توفيق زياد وغسان كنفاني في روايته "بلاد البرتقال الحزين"، في الجانب الإسرائيلي اعتمدت رواية خليل هزاز. وحتى في اختيار الممثلين اخترت الممثل الفلسطيني يوسف أبو وردة والذي شخص أدوارا أخرى في أفلامي، هذا ما عرضني للانتقاد في إسرائيل، لأنني سمحت لفلسطيني بتشخيص دور حبر يهودي.

*هل كان ذلك رغبة منك في إعطاء طابع الإثارة لفيلمك؟
*لا علاقة لهذا بالاختيار الممثل الفلسطيني، اخترته لأن له قدرة كبيرة على تقمص الأدوار ولأنه ممثل جيد.

*استقبل فيلمك عن أحداث 11 شتنبر- أيلول بترحيب كبير، لماذا ركزت على الإعلام من خلال شخصية الصحافي؟
*لأن له دور كبير في فضح خرق حقوق الإنسان، ثم لأنه يقدمنا ككومبارس في المنطقة التي نعيش فيها، فالكل يركز على العنف والخلاف متناسين المآسي الإنسانية الأخرى. هكذا تجد هذا الإعلام يظهر كل يوم بوجه في تغطيته للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، فتارة الإسرائيليون ضحايا وتارة أخرى الفلسطينيون ضحايا. إنه حفل كبير للإعلام، وأؤكد أننا نحن في الداخل كإسرائيليين وفلسطينيين نتحمل مسؤولية أساسية في ذلك.

*كيف السبيل لتغيير هذه الوضعية؟
*هذا مرتبط بتغيير العقليات، فالمغرب مثلا لعب دورا مركزيا في المساهمة في السلم بالمنطقة. فما نحتاجه هو التوصل إلى علاقات ممكنة، وعوض أن يركز المفاوضون الفلسطينيون والإسرائيليون على التدقيق في عدد الأمتار الواجب التنازل عليها يجب البحث عن السبيل لخلق تعايش بين الشعبين. إذا كنت مفاوضا فإنني سأركز على خط مشترك لمستقبل العلاقات بين فلسطين وإسرائيل، ثم هيكلة عامة للمشاريع المشتركة. في نظري إذا دشنا هذا النوع من النقاش فإن مسألة الحدود ستصبح ثانوية. إنني لا أعتقد أننا مجبرون على اتباع الطريقة الأوربية، التي مرت بحرب مدمرة، كي نصل على العيش والحفاظ على الاختلاف بين الشعبين.

*تركزون أساسا على الشق الإنساني؟
*هذا أساسي ومهم وأعتقد أننا في حاجة ماسة إلى جرأة كبيرة.

*ما هو مشروعك السينمائي المقبل؟
*فيلم عن الحداثة، عن مدينة تعيش صراع الحفاظ عن هويتها، سأشتغل مع نفس الممثلين كما في فيلم "كيدما".

*سؤال أخير، لمن تنجز السينما التي تقوم بها، هل هي ضمن ما تحدثت عنه أم أنها تجربة شخصية؟
*اخرج أفلام لمن يحب السينما أولا، وأشرك أصدقائي في ذلك، ولا يزعجني أن يشاركني من يكره أفلامي.