الفائزون... ناشر ايلاف الأول من اليسار |
يعتبر الاتحاد المتوسطي (نسبة للبحر الأبيض المتوسط ) من الهيئات أو التجمعات الدولية الجديدة، إذ شهد انطلاقته الأولى في القمة المتوسطية التي استضافتها باريس في تموز من عام 2008، حيث شاركت في انطلاقته 34 دولة من أجل تحقيق التنمية المطلوبة لدول وشعوب المنطقة خاصة غير الأوربية منها التي هي بحاجة ماسة لهذه التنمية في مختلف المجالات. ومن ضمن المؤسسات الداعمة لهذه التوجهات مؤسسة quot;آنا ليندquot; للحوار بين الثقافات وتعزيز الحوار من أجل التعرف على الآخر، وهي مؤسسة غير حكومية تنفق عليها وعلى مشاريعها المتعددة الدول الأعضاء في الشراكة الأوربية-المتوسطية، وكانت بداية انطلاقتها في عام 2004 أي قبل تدشين الاتحاد المتوسطي بأربعة سنوات تقريبا، وتتخذ من مدينة الإسكندرية المصرية مقرا لها.
ورغم هذا العمر القصير فهي تحتضن ما لايقل عن 3000 منظمة مدنية، تعمل في مجال تعزيز الحوار مع الآخر لفهمه ومعرفة آليات التعامل معه من منطلقات احترام خصوصيات ثقافته، لذلك كانت المؤسسة من أول من أدانوا مقتل المصرية مروى الشربيني على يد متطرف ألماني، تجري محاكمته في ألمانيا هذه الأيام. ومن ضمن جوائز هذه المؤسسة السنوية quot;جائزة آنا ليند المتوسطية للصحافة quot; التي بدأتها عام 2006، وفي مجال (البحر الأبيض المتوسط للإعلام العربي)، كانت الجائزة لهذا العام 2009 من نصيب صحيفة إيلاف الأليكترونية، حيث تسلم ناشرها الإعلامي عثمان العمير هذه الجائزة يوم الخميس الخامس من نوفمبر 2009، في حفل كبير اقيم في إمارة موناكو. وتتعزز جائزة إيلاف لهذا العام لكونها من هذه المؤسسة الحيادية المرموقة، ولكون رئيس لجنة التحكيم هو الكاتب اللبناني الأستاذ أمين معلوف، صاحب المؤلفات العديدة المشهورة عالميا ونقلت للعديد من اللغات، وهو الحائز أيضا على جائزة غونكور الفرنسية، وكان توصيف لجنة التحكيم لصحيفة إيلاف بأنها (تندرج تحت مصنف إعلام جديد للمستقبل ).
فهل تستحق إيلاف هذه الجائزة ؟
تنطلق الإجابة على هذا السؤال من تحديد المفهوم العصري للإعلام كما حددها رئيس لجنة التحكيم الأستاذ أمين معلوف، إذ قال : (إن ما يميز عمل الإعلام اليوم ليس فقط جودة العمل بل أخلاقية العمل وقدرة الصحافيين على الاقتراب من الموضوعات الصعبة، والعمل على استكشاف الأسئلة الأساسية من أجل تقليص فجوة المفاهيم ). واستنادا لهذا المفهوم الحضاري لوظيفة ورسالة الإعلام، أرى من وجهة نظري أن صحيفة quot;إيلافquot; تستحق هذه الجائزة التي ليست الأولى التي تحظى بها لأسباب متعددة منها:
أولا: الريادة في مجال الصحافة الإليكترونية
كانت quot;إيلافquot; من الرواد في هذا الميدان إذ انطلقت في مايو من عام 2001 أي أنها تقترب من عيد انطلاقتها التاسع، وهي مستمرة بتفوق وتجديد جعلها من أهم الصحف العربية الإليكترونية والورقية بدليل العد الهائل لزوارها كل ساعة. وهذا أوقع على كاهل الصحيفة والمسؤولين عنها مسؤوليات ضخمة، لتكون في مستوى إرواء تطلع القارىء لكافة المستجدات السياسية والاقتصادية والفنية والعلمية، من خلال عشرات المراسلين المنتشرين في غالبية العواصم العربية والعالمية خاصة ذات التأثير في القرار العربي والدولي، إذ يندر أن لا يكون لإيلاف مراسل في تلك العواصم، وهم غالبا من الصحفيين المتمرسين في العمل الصحفي ومشاقه المتعبة، وهذا ما يجعل إيلاف تنفرد غالبا بنشر الأخبار الجديدة المهمة قبل العديد من الصحف والفضائيات العربية. ومن خلال تجربتي كصحفي وكاتب يهتم بملاحقة الأحداث وتطوراتها، فأنا أعتمد على إيلاف في هذه المتابعة بحكم أن موقع سكني في العاصمة النرويجية أوسلو غير مسموح تركيب طبق لاقط للفضائيات العربية فيه. لذلك فأنا أتمترس أمام شاشة الكومبيوتر وأمامي صحيفة إيلاف، فأجد أنني على معرفة بالتطورات والأحداث أسرع من أصدقائي الذين تتوفر في بيوتهم الفضائيات العربية.
ثانيا: مساحة حرية الرأي والحوار
من يتابع إيلاف يستطيع التعرف والتأكد من أنه من النادر أن يكون هناك توجه فكري أو سياسي، يغيب عن صفحاتها من خلال الكتاب المؤمنين بتلك التوجهات على اختلاف مشاربها. كل هذا متاح ضمن ضوابط مهنية أهمها:
1. عدم التعرض بالتجريح لأي شعب بكامله ككتلة سكانية، ولكن مسموح نقد أي سياسي او حزب في ذلك البلد طالما النقد يعتمد على حقائق ومعلومات وأرقام، وفي الوقت ذاته مفتوح المجال للرد والنقاش ممن وجه له النقد.
2. رفض التنظير للإرهاب والعمليات الإرهابية لأنها تقصد إبادة الآخر وليس الحوار معه، لذلك تجد أن غالبية كتاب إيلاف من أشد المهاجمين للإرهاب أيا كان مصدره ومرتكبه وهدفه، فلا يوجد هدف نبيل يمكن الوصول إليه عن طريق قتل وتدمير الآخر بشكل عشوائي كما حدث في إرهاب الحادي عشر من سبتمبر لعام 2001.
3. العمل الجاد على بلورة مفاهيم مشتركة سواء بين الشعوب العربية ذاتها أو بينها وبين الشعوب الأخرى، وتسعى ايلاف لذلك من خلال نقل أهم ما يكتب في الصحافة العربية خاصة وجهات النظر كما يتم التعبير عنه في زاوية (جريدة الجرائد ) التي تتيح لقارىء إيلاف التعرف على توجهات الصحافة العربية دون بذل مجهود لشراء تلك الصحف والركض ورائها. أما مع الشعوب الأخرى فيتم ذلك من الترجمات وملاحقة المواقف غير العربية التي تصب في خانة الحوار والتفاهم، خاصة (أنّ الإعلام يلعب دورا مهما في تشكيل المفاهيم المشتركة في منطقة المتوسط ) كما قال أندري أزولاي رئيس مؤسسة آنا ليند المانحة للجائزة.
4. تنمية الحوار العقلاني الموضوعي من خلال هذه المساحة الواسعة لقراء إيلاف، للتعليق والتعقيب على مقالات كتابها، ويخطىء من يظن أنه لا يستفيد من تعليقات القراء خاصة أن بعض القراء ترتقي تعليقاتهم لمستوى مقالات مستقلة.
5. مواكبة إيلاف لنهم المعرفة في العالم العربي بعد انتشار الانترنت، ولها مبادرات مستمرة في ذلك منها إطلاقها صفحةquot; معرفةquot; بالتعاون مع مؤسسة محمد بم راشد آل مكتوم، و quot;مدونات إيلافquot; التي أتاحت لأي قارىء أن تكون له صفحته الخاصة يعبر فيها عما يريد، خاصة أن الصفحة الخاصة ليست متاحة لأي مواطن فجعلتها إيلاف في منتهى اليسر والسهولة.
وإيلاف بكل هذه السمات والمميزات تخطو خطوات سريعة نحو سيادة الإعلام الإليكتروني على حساب الإعلام الورقي، ويالسمات ذاتها تستحق quot; جائزة البحر الأبيض المتوسط للإعلام العربي quot;. فهنيئا لإيلاف وناشرها الإعلامي عثمان العمير الذي لولا رعايته ما وصلت إيلاف لهذا المستوى والجائزة، وهنيئا لقراء إيلاف قبل كتابها.
التعليقات