لم تشهد العلاقات الإيرانية - الباكستانية تطوراً طوال الفترة التي أعقبت الثورة وقيام نظام الجمهورية الإيرانية بالمستوى الذي شهدته في ظل سلطة الجنرال برويز مشرف. بعد ان كانت إيران أول دولة ترحب بانقلاب الجنرال مشرف الذي أطاح في أكتوبر/تشرين الأول 1999 بحكومة السيد نواز شريف المنتخبة ديمقراطيا.


فالمرة الوحيدة التي تحسنت فيها العلاقات بين البلدين عقب تولي الملالي نظام الحكم في إيران كانت في عهد حكومة السيدة بنظير بوتو التي يعتبرها الإيرانيون أنها من أصول فارسية و شيعية المذهب وقد نالت الجنسية الإيرانية قبل أشهر من مقتلها العام الماضي. و قد كانت السيدة بوتو قد عملت على تطوير علاقاتها مع نظام الملالي ولكن مع مجيء حكومة السيد نواز شريف عادة العلاقات بين البلدين إلى ما كانت عليه في عهد الرئيس ضياء الحق حيث كانت العلاقات متشنجة بين البلدين نتيجة قام إيران بالتدخل في الشؤون الداخلية لباكستان عبر رعايتها للتنظيمات والجماعات الإرهابية وتغذية الصراع الطائفي. بالإضافة إلى تحالفها مع الهند ضد باكستان.
ولكن مع تولي العسكر بقيادة مشرف المدعوم أمريكياlsquo; زمام السلطة في باكستانlsquo;عملت إيران على إقامة أفضل العلاقات مع سلطة برويز مشرف وعقدت معها اتفاقيات أمنية وسياسية واقتصادية عديدة lsquo; وقد قامت إيران بمد باكستان بالنفط والغاز بالإضافة إلى وقف كامل دعمها لجماعات المعارضة الباكستانية. كما قامت بإيقاف الإعمال الإرهابية التي ينفذها الجناح المسلح لحركة quot; تنفيذ الفقه الجعفري quot; الباكستانية التي يشرف على تمويلها الحرس الثوري الإيراني quot; وهي حركة شيعية تأسست في سنة 1984 بدعم من إيران لمعارضة الرئيس الباكستاني الأسبق ضياء الحق.


وبالمقابل فقد عملت حكومة الجنرال مشرف على بيع إيران الخبرات والمعدات اللازمة لتطوير برنامجها النووي وتطبيق بنود الاتفاقية الأمنية الموقعة بين الطرفين والتي تسمح للأجهزة الأمنية الإيرانية بالتوغل داخل الأراضي الباكستانية لملاحقة عناصر الحركات المعارضة و الناشطة على حدود البلدين.


كما قامت سلطات الجنرال مشرف باعتقال عددا من المعارضين الإيرانيين الذين كانوا قد فروا إلى باكستان وتسليمهم إلى نظام طهران. وكان آخر من سلمتهم باكستان إلى النظام الايراني في يوم السبت الماضي كان السيد quot; عبد الحميد ريغي quot; شقيق الشيخ المجاهد quot; عبد المالك ريغي quot; أمير منظمة جند الله البلوشية الإيرانية التي تكافح من اجل رفع الظلم القومي والطائفي عن الشعب البلوشي وسائر الشعوب والقوميات في إيران.


وبحسب ما أعلن في طهران فقد تسلمت أجهزة المخابرات الإيرانية صباح يوم السبت الفائت من سلطات مدينة كويتة الباكستانية quot; عبد الحميد ريغيquot; في مطار إسلام آباد ونقلته بطائرة خاصة إلى طهران. وكان ريغي محتجزا منذ عام تقريبا في سجن كويته مركز ولاية بلوشستان الباكستانية مع 15 شخص آخر من المعارضين للنظام الإيراني.


وبموازاة ذلك فقد أعلن وزيرة الاستخبارات الإيرانية الشيخ محسني اجئي يوم الاحد الإفراج عن المهندس الياباني الذي كان يعمل متعاقدا مع الحرس الثوري الإيراني وقد تم اختطافه من قبل جماعة بلوشية مسلحة في مدينة كرمان شرق البلاد قبل نحو 10 أشهر lsquo; بالإضافة إلى ممثل مرشد الثورة الإيرانية علي خامنئي lsquo;إمام جمعه مدينة فهرج في محافظة كرمان الشيخ quot;جواد طاهري quot; الذي كان هو الآخر قد تم اختطافه قبل شهرين على يد جماعة بلوشية. و أضاف وزير الاستخبارات الإيرانية محسني اجئي في تصريحات أدلي بها للصحفيين صباح يوم الأحد بان المهندس الياباني كان قد نقل من قبل خاطفيه إلي باكستان. وتابع قائلا : quot; بعد هذه الخطوة ( الإرهابية ) قام هؤلاء المسلحون باختطاف إمام جمعه فهرج قبل شهرين ونقله إلي باكستان من اجل ممارسة مزيد من الضغوط علي المسؤولين الإيرانيين quot;.


الوزير الإيراني ادعى ان عملية إطلاق المختطفين تمت بجهود ومساعي من اسماهم quot; عناصر الأمن وجنود الإمام صاحب الزمان ( عناصر المخابرات ) في الدائرة العامة للأمن بمحافظه بلوشستان و التي أسفرت عن اعتقال العناصر الرئيسة لعمليه الاختطاف مما أرغم المسلحين المختفين في باكستان إلي الإفراج عن إمام جمعه فهرج والمهندس الياباني المختطفين لديهم quot;!.


هذا الملا المجرم لم يعترف بان مخابرات حليفهم الجنرال برويز مشرف من حررت هؤلاء المختطفين اثر اشتباكات مسلحة وقعت بين القوات الباكستانية و عناصر من الحركة البلوشية التي كانت تحتجز المهندس الياباني وامام جمعة فهرج الشيخ جواد طاهري.
قد يرى البعض في ما جرى أمر طبيعي فمثل هذا التعاون الأمني يجري بين اغلب دول الجوار. لكن ما هو ملفت للنظر ان عملية تسليم القائد المجاهد عبد الحميد ريغي و الإعلان عن إطلاق سراح المهندس الياباني و المسؤول الإيراني lsquo; قد جاءت بعد يوم واحد فقط من العملية البطولية التي نفذتها quot; منظمة جندالله quot; فجر يوم الجمعة والتي هاجمت فيها مقرا لقاعدة مرصاد التابعة للحرس الثوري الايراني في قرية quot; حق آباد رآسك quot; بمدينة سراوان بإقليم بلوشستان وتمكنت خلالها من اسر 16 عنصرا من عناصر الحامية والاستيلاء على كميات كبيرة من الأسلحة و الاعتدة المختلفة.


هذه العملية التي جاءت انتقاما لشرف فتاة بلوشية كان عناصر من الحامية المذكورة قد قاموا باختطافها والاعتداء عليها lsquo; قد وجهت ضربة كبيرة لهيبة النظام الإيراني و سودت وجوه قادة الأجهزة الأمنية الإيرانية في بلوشستان الذين طالما تبجحوا زاعمين أنهم قد تمكنوا من القضاء على الحركات البلوشية المسلحة التي تكافح جرائم سلطات نظام طهران.


لقد حاول النظام الإيراني lsquo; وبمساعدة من مخابرات الجنرال مشرف lsquo; ان يغطي على ردود الأفعال التي خلفتها عملية جندالله البطولية lsquo; ويظهر للرأي العام الإيراني قدرت أجهزة استخباراته على ملاحقة المعارضين وان كانوا خارج الحدود. متناسيا ان من ساعده على هذه المهمة هي عناصر مخابرات الجنرال مشرف الذي يوصف بأنه رجل quot; السي آي إيه quot; الأول في المنطقة. الا ان النظام الايراني لم يستنكف من ان يتعاون مع حاكم دكتاتوري يداه ملطخة بدماء العشرات من طلبة العلم ورجال الدين الذين كانوا متحصنين في واحد من أشهر المساجد في العالم الإسلامي وهو المسجد الأحمر الذي داهمته قوات الجنرال مشرف وارتكبت فيه مجزرة كبيرة قبل ان تقوم بهدمه.


نقول ليس غريبا ان يتحالف النظام الإيراني مع العملاء الذين نصبتهم المخابرات الأمريكية حكاما على بلادهم فقد كان النظام الإيراني أول المعترفين والداعمين للرئيس حامد كرزاي المنصب من قبل أمريكا حاكما لأفغانستان. و كان الرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي هو أول رئيس بلدا إسلامي يزور أفغانستان بعد احتلالها lsquo; مقدما التهاني لنظيره حامد كرزاي.


كما ان إيران كانت أول بلدا إقليمي يعترف بمجلس الحكم الذي شكله حاكم العراق السابق الأمريكي بول بريمر. وان الرئيس الإيراني الحالي احمدي نجاد هو أول رئيس دولة إقليمية يقوم بزيارة العراق بعد الاحتلال للإعراب عن تأييد بلاده للحكومة العراقية التي جاء قادتها إلى الحكم على ظهر الدبابة الأمريكية؟.


اذن ماذا يهم النظام الإيراني إذا كان الجنرال مشرف قد هدم المسجد الأحمر وقتل العشرات من الرجال والنساء من طلبة العلم في هذا الجامع الشهير. ثم الم يدعم ملالي طهران و يساندوا المليشيات الطائفية التي قامت بهدم المئات من المساجد ودور العبادة في العراق؟.


ان تسليم باكستان مشرف إيران مناضلا بلوشيا يكافح من اجل رفع الظلم والاضطهاد عن أبناء شعبه سوف لن يوقف حركة النضال والجهاد الذي تخوضه منظمة جندالله البطلة lsquo; ولن يثني المناضلين البلوش من مواصلة مسيرة الكفاح. وإذا كان النظام الإيراني أرد و بمساعدة من مخابرات عميل الأمريكان الجنرال برويز مشرف ان ينقذ ماء وجهه عبر عملية استرجاع المناضل quot; عبد الحميد ريغي quot; بعد الضربة المؤلمة التي تلقها في الجمعة الماضية على يدي مجاهدي الشعب البلوشي lsquo; فان ذلك لن يجدي له نفعا حيث ان ما هو آتي اكبر مما مضى فالشعب البلوشي كغيره من الشعوب والقوميات الواقعة تحت هيمنة وظلم نظام ملالي طهران قد تعود على تقديم التضحيات و لكن لم يستسلمlsquo; ولا يمكن لباكستان مشرف ان تحفظ للنظام الإيراني ماء وجه لكونه وببساطة لم يبقى هذا النظام المجري من ماء وجه حتى يحفظ.


صباح الموسوي
رئيس المكتب السياسي لحزب النهضة العربي الأحوازي