في الأسبوع الماضي أقامت منظمة الغذاء الدولية التابعة للأمم المتحدة مؤتمرا ً لها في روما،الغرض منه مكافحة أزمة الغذاء المتصاعدة والتي تهدد حوالي أكثر من مليار إنسان، بالضبط حوالي 18% من نفوس البشرية، في المؤتمر حضر ممثلو دول ومنظمات إنسانية، ولم يتم جمع سوى مليار دولار، لكن العربية السعودية تبرعت بنصف مليار دولار لكي ترفع المبلغ كما قال أحد المتحدثين، في المليار والنصف دولار سوف يتم شراء أغذية، و(أغذية ) فقط لكي يتم توزيعها على مواطني العالم من الجائعين،الجياع الذين اجتمع المؤتمر من أجلهم ليس بمقدورهم أن يأكلوا شيئا ً،أي ليس هناك ما يتوفر ليأكلوه كي يعيشوا..، جياع ُ القِدْر وليس القَدر،أليس هذا ما يدعو للتأمل والاستغراب،والبشر والحكومات بشرعية أو دونها يبرمون العقود في شراء السلاح والخيول والصقور والمجوهرات واللوحات الفنية، وكما نعرف ويعرفون إن الدنيا شقيقة الموت وحليفته الأبدية.


قبل اقل من عام اشترى ثري عربي خمسة خيول بمبلغ 17 مليون دولار أسترالي من أحد مربي الخيول الأستراليين في ولاية كوينزلاند الأسترالية،وراسلني صديق أسترالي يقول ساخرا ً كيف أخبرتني في السابق إن هناك من المواطنين العرب من ينام في المقابر وليس لديهم سكن أو ماء شرب وهناك جوع..؟؟


قبل يومين أعلن مواطن أسترالي أسمه (نيك هيلك ) وهو شاب ثري من أصل يوناني من عائلة فقيرة مهاجرة حسب المواصفات الأسترالية، عن نيته في الطيران السياحي الفضائي، وفكرته في الطيران السياحي تكلفه 30 مليون دولار، وقد دفع مبلغ 27 مليون دولار لكي يتعلم كيف يصبح رجل فضاء،نيك هيلك البالغ من العمر 39 عاما ً، رجل أعمال مختص بالبناء وشراء البيوت وبيعها،أما كيف حصد أموال تجعله يطير حول الفضاء بثلاثين مليون دولار، فلنا أن نعلم كم من زبائنه يشكون من قروض المصارف وكم من العائلات قد تورطت في قروضه،وكم من اليونانيين الأستراليين في ملبورن يتاجرون في المخدرات والدعارة والسرقة من أجل العيش !!،وكم منهم من العرب الأستراليين حلفائهم في الحضارة والتاريخ يسيرون على الدرب ؟؟، وكما يقول الفنان التشكيلي العراقي سعد الموسوي المقيم في ملبورن (من حسن طبيعة الهواء إنه لا يباع وإلا سوف يستخلصون الأوكسجين ويبيعونه علينا).. !!.


ليس لأي معلق أو كاتب أن يقول لثري شرقي أو غربي وأقرانهم ماذا يفعلون بأموالهم، لكن الحكمة قالها أحد الأثرياء الهنود على قناة CNN وهو يرد على سؤال لماذا يحب تماثيل الأسود والفيلة الذهبية التي تزين قصره الكبير وهي مصنوعة من مادة الذهب وليس مطلية فقط بها،، قال لكي أشعر بأن أموالي التي صنعتها لاتهرب بعيدا ً..أنا أحب الذهب والفخامة..!!


وحين نعود لأستراليا نجد عقلية الثري الجديد هيلك تأخذ منحى آخر فهو لايقتني أسودا ً ذهبية ولكن رؤيا ذهبية في أن يكون أول شخص أسترالي عادي يعبر إلى الفضاء الواسع في رغبة ذاتية غير مدعومة على الإطلاق،وهذا تفريغ هائل للحقد الذي يملكه هيلك ضد الذين كان يعرفهم من أصدقائه الصغار والكبار على ما أظن.


وفي الحالتين أعلاه نجد أن الهندي ينتقم من الجوع في التذهيب الحسي والأسترالي في الفضاء الروحي.


الجوع يختلف عن الفقر،لكنهما مترادفان،الآخر يعني الآخر،لكن الجوع الذي نشهده الآن قد لايعني الفقر على الإطلاق كما شاهدنا من أزمات مجاعة وفقر في السابق، الجوع والفقر الآن لهم (انترنيت ) واتصالات واسعة وأفواه مفتوحة وصارخة، ولايمكن لصاحب ضمير كلب أو قرد أن يصمت،ولايمكن لممثل في فيلم سينمائي أن يربح 100 مليون دولار ويصطحب 25 طباخا معه وطيارين و600 قميص و200 بنطلون وهو في رحلة على طائرته الخاصة مثل جون ترافولتا،وحسب ثورة الاتصالات يمكن أن يكون ابن جائع أفريقي أو آسيوي لاعب كرة قدم شهير مثلما أنتج مهاجر شمالي أفريقي زيزو أو زين الدين زيدان الفرنسي.


في اليوم العادي، في كل يوم أنظر ُ لطوابير الناس المنتظرة لشراء اليانصيب (لوتو )،واللوتو أنواع وأشكال وأرقام على مدار الأسبوع،بعض الأحيان أجدُ نفسي بينهم منتظرا ً لوتو،في اليوم الخميس الماضي كانت الطوابير اكثر من المتوقع،فقد كانت جائزة اللوتو (خمسون مليون دولار ) وكنت بين المتنافسين الذين فرصتهم بالربح واحد من كل 100 مليار بطاقة على الأقل،اللوتو وهمُ ُالخاسر ولكنها في أستراليا وهم ٌ للفقراء والمترفين في سواء ونوع ٌ من المنافسة التي لابد منه كجزء من الثقافة، في طابور اللوتو لاتعرف الشخص الذي أمامك أو الذي خلفك،الكل يريد أن يربح الملايين،أما الجوع فهو ليس هناك،لكنه جوع !.


في الفيلم الجزائري (بنت كلثوم ) كان الجوع واضحا ً ليس فقط في الوجوه وتعابيرها،بل باستمرارية الجوع نحو المستحيل اللامرئي،العطش والجفاف، القسوة الشديدة من الطبيعة والإنسان الذكر،الجوع كان يتسيد على الطبيعة في طلب الرحمة،بينما الفيلم الأسترالي (قصة الياباني ) على النقيض كان جفاف في علاقة مع ثقافتين مختلفتين تتطور لتصبح علاقة رومانتيكية موهومة عن الجوع والضياع..وأخيرا ً الموت في بركة بعد ضياع في صحراء.

واصف شنون