فى هذه الأيام كثر الحديث عن معاهدة عراقية /أمريكية، وانهال الجميع على العراق باللوم والتقريع، والتهديد والوعيد بالثبور وعظائم الأمور اذا ما وقع معاهدة مع أمريكا. وكالعادة طلب مقتدى الصدر السباق الى اثارة المشاكل من أتباعه الخروج بمظاهرات اسبوعية بعد صلاة الجمعة، واليوم 6 حزيران/يونيو خطب الناطق باسمه صلاح العبيدي فى مسجد الكوفة مشجعا أتباع الصدر قائلا: (اصبروا يا محبي الامام المهدي ويا محبى آل الصدر فان موعدكم الجنة)!! مقلدا بذلك الرسول حينما طلب من آل ياسر الذين أشرفوا على الموت بسبب تعذيب قريش لهم أن يصبروا.


وخارج العراق انضم الى جوقة المعارضين قادة حماس الفلسطينية، وحزب الله اللبناني بقيادة السيد حسن نصرالله، وكان الأثنان قد هاجما الحكومة العراقية الجديدة منذ أول أيام تسلمها الحكم. وأما أبناء عمومتنا العرب، فمنهم من هاجم العراق لمنفعتهم الخاصة ولا يهمهم أمرالعراق ولا مصيره، فهم يلاحقون الحكومة العراقية مطالبين بتسديد الأموال التى دفعوها الى صدام لحمايتهم، والعراق مخرب وأهله بين مشرد وجائع، ومهجر ومعوق، ويحتاج الى سنوات عديدة لاستعادة عافيته. و لا يخجل بعضهم من اتهام العراق الجديد بالتقرب الى اسرائيل وفى الوقت نفسه يرفرف العلم الاسرائيلى فى الكثير من عواصمهم ويقيمون معها العلاقات التجارية. ولكن ما أن سمعوا بالمعاهدة حتى قامت قيامتهم وجندوا الأقلام والصحف الأجيرة لمهاجمة العراق والمعاهدة وهم الذين يحتضنون القواعد العسكرية الأميركية ومن أراضيهم انطلقت القوات الأميركية لغزو العراق.


وبدلا من مساعدتنا فd محنتنا أخذوا يضيقون علينا الخناق أكثروأكثر بارسال الانتحاريين المجرمين او تسهيل وصولهم الينا من أقاصي المغرب و اليمن وما بينهما، ليقتلونا ويدمرون ما بقي من بنية تحتية فى بلدنا، و يقفون حجر عثرة أمام زيادة صادرات العراق من النفط حتى يبقى البلد مفلسا تحت رحمتهم، بحجة انه قد يظهر فى العراق أحمق مثل صدام فيعيد الكرة عليهم، وهى فكرة خاطئة اذ ان الغني لا يخشى غنيا مثله ولكنه يخشى من الفقيراليائس.


ترى هل هم يتوقعون حقا من العراق المخرب أن يقول (لا) لأكبر قوة عسكرية فى العالم؟ واذا كانوا حقا يريدون ان تخرج القوات الأميركيةمن العراق، لماذا لا يبدأون بأنفسهم ويخرجوا الأمريكان من بلدانهم؟ لماذا لا يرسلوا جيوشهم لتحرير الجزر العربية الثلاث التى تحتلها ايران؟ لماذا لا يخلصوا القدس من (رجس) الصهاينة كما يقولون؟ لماذا لا يستردون لواء الأسكندرون السوري من تركيا؟ لماذا لا يستعيدون هضبة الجولان من العدو الاسرائيلي؟ ترى هل يريدون تكليف العراق بذلك نيابة عنهم؟ وهل سيرفعون شعار: طريق تحرير القدس يمر من بغداد؟!!

كيف يمكن أن يشعر العراقي بالاطمئنان وهو محاط بالأعداء والطامعين من كل جانب؟ ليت العراقيون يفيقون ويعرفون حقيقة ما يدورمن حولهم ويكونوا واقعيين، فلا يطالبون الحكومة بما لا قبل لها به. بلدهم مدمر شر تدمير، اليتامى والأرامل والثكالى والمرضى والجائعون فى كل شبرمن أرضهم، أطفالهم لامستقبل لهم، ينقصهم كل ما تقتضيه الحياة الحرة الكريمة. هؤلاء الأطفال لن يسد رمقهم الكلام الفارغ، ولن تشبع بطونهم الخاوية الشعارات والأهازيج والمقالات الحماسية. العراقيون تحت أقدامهم الثروات النفطية الهائلة، وهم حاليا من أفقر الشعوب، مثلهم مثل البعير الذى يحمل على ظهره ذهبا ويأكل الشوك والعاقول.

وللمعممين من المعارضين للمعاهدة أذكرهم بقبول الرسول لمعاهدة صلح الحديبية مع الكفاروالتى عارضها عمر بن الخطاب وقال للرسول: ألسنا يا رسول الله على الحق وهم على الباطل؟ أليس قتلانا فى الجنة وقتلاهم فى النار؟ ورسول الله يجيبه: بلى... فيعود عمر ويسأل: علام نعطى الدنية فى ديننا ونرجع ولما يحكم الله بيننا وبينهم؟ وأخيرا ثاب عمر الى الرضى وكف عن السؤال.

من واجب الحكومة العراقية وكل مسئول عراقي مخلص لوطنه وشعبه أن لا يفعل شيئا لا مصلحة للعراق فيه، ويطالب الأمريكان بحقوقنا مع الابقاء على علاقة وطيدة معهم، فانه لن يستطيع حماية العراق غيرهم، وهم لا يبتغون الا حماية مصالحهم النفطية فى المنطقة. أما موضوع القواعد العسكرية فيجب ان نترك الحساسية منها جانبا، فان دولا كثيرة فيها قواعد عسكرية أمريكية تدر عليهم أرباحا طائلة ولا تنقص من استقلالهم مثل اليابان وألمانيا وايطاليا. أمريكا تحتاج الى نفطنا الذى نبيعه لهم بأسعار السوق العالمية كما تفعل باقى دول المنطقة، فنعيد بوارداته بناء بلدنا واعادة أمجادنا الماضية، فان الذين عمروا بلدانهم فى المنطقة ونهضوا بها لتصبح من بين أرقى و أبهى دول العالم، ليسوا بأحسن منا نحن أبناء بلاد ما بين النهرين مهد الحضارات ومهبط الرسالات.

عاطف العزي