ما أريد ان اكتب عنه رؤية سياسية متعلقة بايران الدولة التي اتسعت دورها الإقليمي على حساب شعبها وشعوب المنطقة بفعل اسنادها ودعمها للقاعدة والتنظيمات الارهابية والمجموعات المسلحة في العراق ولبنان وافغانستان وفلسطين، وهذه الرؤية كانت معلقا بنبضات قلمي منذ فترة لأنطق به لعل به نفع لإخواننا من أهل الجيرة للعراق في ايران وفي الدول المجاورة لبلاد الرافدين، لأن الأحداث التي عاشها العراقييون لم تكن وليست باليسيرة ولا بالهينة، ولا نظير لها في حياة المنطقة، رغم تحسن الوضع الامني في البلاد بعد الانجازات الميدانية لرئيس الحكومة والجيش والقوات الامنية لمجابهة الارهاب والعنف وفرض هيبة الدولة.
الرؤية متعلقة بايران وبهؤلاء من إخواننا في الجيرة من أهل الأوطان المجاورة، وهم يتلقون بين الحين والأخر أخبار إخوانهم أو أبنائهم وهم مفجرين أنفسهم في العمليات الانتحارية أو مقتولين في العمليات الإرهابية التي يرتكبونها لقتل النفوس البريئة من العراقيين، رغم ان مستويات أعمال العنف المسجلة قد سجلت نسب منخفضة جدا مقارنة بما كان يحصل في السابق.


والحقائق التي أبوح بها بقلمي هي متعلقة بخصوصيتنا العراقية، لأن ايران والبعض من العرب غير متفهمين للوقائع الحاصلة بعد غياب نظام الحكم البائد، وأول هذه الوقائع أنهم لا يتعاملون مع العراقيين وفق مفاهيم إنسانية بحتة مبنية على نية خالصة مؤمنة بالإخاء والمحبة والمودة التي تؤكد عليها ديننا الإسلامي الحنيف وبقية الأديان السماوية السمحاء، وثاني هذه الوقائع أن الذي حصل في بلاد الرافدين شأن عراقي خالص، وهو تغيير حصل وفق رغبة ومتطلبات متعلقة بأهل البلد، أساسها بناء عراق مبني على مباديء وقوانين تحترم حقوق وكرامة الإنسان، وتؤمن العدالة الاجتماعية للكل وفق لوائح دولية شرعية اعتمدت على أساسيات ومباديء لمفاهيم حضارية نابعة من إيمان راسخ بالحرية والعدالة، ونقل السلطة بين العراقيين بعملية ديمقراطية حقيقية مستندة الى شرعية رأي الشعب، لاختيار اهل السلطة وفق مباديء وتشريعات دستورية، وارساء علاقات الشراكة الاستراتيجية مع الولايات المتحدة الاميركية وعلاقات متينة مع بريطانيا وفرنسا وروسيا ودول المجتمعات الديمقراطية الأخرى في العالم.


هذه الوقائع الجديدة في العراق، حان الوقت لايران ولبعض العرب ان يتعرفوا عليها وعلى خصوصيتنا، خاصة بعد تحقيق التحول الديمقراطي لانتخاب السلطة، لنعبر عن كياننا و ذاتنا وشعورنا وإحساسنا بصورة مختلفة تماما عن الصورة المعهودة من العهد البائد، لاستنشاقنا هواء الحرية ولإدراكنا بهويتنا الإنسانية الحقيقية، هوية كانت غائبة عنا طوال عقود طوال.


أجل يا أهل الجيرة للعراق، خاصة العرب منهم، نقول لكم بملء فمنا إن خصوصيتنا وعراقيتنا، التي برزت إلى الساحة بعد إطلاق فجر الحرية والكرامة، تكمن في تعدد لغاتنا التي تلمع منها ألوان زاهية بالعربية والكردية والتركمانية والآشورية والكلدانية، وتكمن في تعدد ألوان ملبسنا وكساءنا وأزياءنا فهي زاهية بألوان طيف زاه على جبالنا وسهولنا وودياننا وأهوارنا وصحارينا كاسيا أبداننا بألوان أزيائنا الزاهية، وتكمن في تعدد القومية والدين والمذهب عندنا ففينا العربي والكردي والتركماني والآشوري والكلداني وفينا المسلم والمسيحي واليزيدي والصابئي وفينا الشيعي والسني.. أجل كل هذا فينا، فنحن نسيج ملون من القوميات والأديان والمذاهب، ونحن أمة واحدة من عرب وكرد وقوميات أخرى.. هذا هو العراق، بلاد الأمة العراقية، أجل يا أهل الجيرة، هذه خصوصيتنا حان الوقت لكم أن تفهموها وان تستوعبوا حقائقها.


اجل يا أخي من أهل جيرتي، اكتب لك هذا لأصحو بك إلى الصباح الجديد الذي كان العراقييون في اشراقها سببا، لننهض بك من ركام الحريق الكبير الذي كان في إشعاله بطل مغوار سببا مأجورا، أجل يا أهل الجيرة، ندعوا لكم لنخرج بكم من سبات ظلمات عوالم عاتية، إلى عوالم فيها مشاعل للحرية والإنسانية، لنرسي بكم في شاطيء الأمان لنصل بكم إلى بر الأمان ودرب السلام.
أجل يا أهل الجيرة، من كان تائها عليه الطريق وضالا للسبيل، فيقوا واصحوا، عودوا الى مكارم الاخلاق، عودوا لافعال فيها نبع للأخوة ومنبت للإنسانية، و بها سوف تزداد القلوب ألفة ومحبة ومودة، وأنتم على دراية إن قلوب العراقيين فيها من الصفاء والمودة ما يكفي لحضن كل قلوب أهل الجيرة، حان وقت السلام وراح وقت السلاح، حان القيام بأدوار سليمة للدول المجاورة لتكون المنطقة بعيدة عن اللعب السياسية الدولية.


الكل يدرك أن نظام صدام لعب دورا مهما في تأدية ادوار إقليمية في المنطقة على حساب الشعب العراقي، فكانت الأدوار تارة تصب في اتجاه إشعال الحرب ضد الكرد العراقيين في إقليم كردستان ومصادرة حقوقهم القومية، وتارة في اتجاه إيران وتارة في اتجاه غزو الكويت وتارة في اتجاه الخليج، حتى أتت عليه عاصفة الصحراء فكانت الضربة الموجعة التي ترتبت على مغامرة احتلاله للكويت. و رافقت العاصفة انتفاضة جماهيرية في آذار 1991، أقدم عليها الشعب العراقي بكل قومياته وطوائفه، لكنها أخمدت في فترة وجيزة بالقوة والقمع بفعل حسابات إقليمية ودولية للإبقاء على النظام البائد. واستمر الحال حتى أتى على النظام عاصفة خاتمة الأدوار وحاسمة الحواسم في التاسع من أبريل عام 2003، فأسدل الستار على نظام متغطرس ومتجبر في المنطقة كاد في يوم من الأيام أن يبلع الخليج بمياهه وأرضه.


وضمن هذا التغيير شهد المشهد السياسي في المنطقة تراجع لعبة الأدوار الإقليمية، حيث كان النظام السابق لاعبا بارزا ضمن دائرة الأدوار الإقليمية في الشرق الأوسط، ودور النظام البائد استحوذ على حصة الأسد في صنع الأحداث الهامة في المنطقة، ولعب النظام أدوارا دولية عديدة على الساحة السياسية الدولية في السبعينيات والثمانينات وبداية التسعينيات خاصة في زمن الحرب الباردة.


ويعتقد ان بعض هذه الأدوار كان أكبر مما مرسوم له وهذا ما ساعد على إرباك الموقف على رئيس النظام البائد، لهذا يبدو أن الدور الاقليمي الذي أوقع فيه صدام نفسه لم يكن حقيقيا بل كان سرابا وأن الطاغية لم يحسب له بجدية فتمادى في خيالاته فتخيل أنه قد أصبح قوة إقليمية لا يستغنى عنه، ففعل ما فعل، ووقع فريسة لخيالاته الجنونية، والحق بالعراق ضررا جسيما ودمار كبيرا.


لكن يبدو ان الآثار والنتائج الايجابية التي تمخضت عن التجربة العراقية في العهد الجديد خلال فترة قصيرة بالرغم من الضغوطات الأمنية التي فرضت عليها من قوى إرهابية وافدة من الخارج، قد أغاضت إيران وبعض دول الجوار، حيث تحقق تحول جذري في المشهد السياسي والدستوري والاقتصادي، هذا التميز في انطلاق مجتمع نحو الأمام و اللحاق بركب التمدن جعل من العراق بؤرة منظورة، موضوعة تحت المجهر، محسوبة خطواتها من كل زاوية.. وهذا ما جعل من بعض دول الجوار أن تتخوف من بعبع الديمقراطية والتعددية وحقوق الانسان، وان تتكالب على بلادنا من كل جهة وان تحرك جماعات إرهابية عربية ودولية، لتشق أنهارا من دماء طاهرة للعراقيين، لينزف على ارض طيبة بلا هوادة وبلا قطرة من الرحمة.


أيران، احدى هذه الدول المجاورة، تلعب دورا سلبيا متسما بخطورة كبيرة على العراق، منذ وصول رجال الدين الى الحكم في طهران، تحاول ان تلعب دور اللاعب الإقليمي والشرطي الدولي، على حساب شعوب ودول المنطقة، ولغرض تكريس هذا الدور مدت خطوطها الى أغلب المجموعات الارهابية والاجرامية والمسلحة العربية والدولية في افغانستان ولبنان والعراق وفلسطين ومناطق كثيرة من العالم، وتحاول بشتى الخدع والحيل ان تمرر لعبتتها النووية بشتى الطرق غير اللائقة للحصول على السلاح النووي لترهيب المنطقة.


لهذا نقول، يبدو أن ايران، لا تدرك انها تلعب بالنار الحارقة، ولا تعرف أن لعبها الخطرة ستضر بنفسها وبالمنطقة في زمن قريب، وستكون عامل كارثة على الجميع، استخداماتها لاوراق سياسية وارهابية في المنطقة، باتت تقطع جذورها من قبل الدول الراعية للديمقراطية، وحجمها المتصاعد لا تدرك انها مجرد بالون، ولا تدرك ان حجمها المصطنع قد وصلت الى حالة قريبة للانفجار، صارت مثل البالون المنتفخ بسبب سلوك وحسابات ايران غير العقلانية، سلوك وممارسات متسمة بجور الارهاب واجرام السلاح، هذا البالون ستفجره وخزة ابرة غير متوقعة في مستقبل منظور ليس ببعيد، معدة من قبل أميركا والدول الغربية.


ولكن هذا السيناريو المتوقع لايران لا يمكن التكهن به بصورة مؤكدة على أرض الواقع، لهذا بات من الجدية والضرورة السياسية في منطقة بلدان الخليج والعراق، ان يفكروا بجدية وواقعية لاحتواء ايران بمساندة وتعاون كامل مع دول المجتمعات الديمقراطية، وهذا الاحتواء لابد أن يستند الى خطط عقلانية لمجابهة أسوء السيناريوهات المرسومة للتعامل مع الوضع الإيراني، للضغط علي إيران لوقف لعبها التي تأتي بالضرر الكبير على المنطقة وشعوبها، وضمن هذا الاحتواء ممكن ان تعمل دول الخليج والعراق والولايات المتحدة الاميركية وبريطانيا فرنسا والاتحاد الاوربي ودول أخرى، من خلال مجلس الامن، على رسم سيناريو لاحتواء ايران في المنظور الحاضر ولتفكيكها في المنظور المستقبلي، لسببين الاول لاراحة شعوب المنطقة والثاني لكي تحصل القوميات التي تتكون منها ايران على حقوققها المدنية والاجتماعية وعلى خيارها في أختيار كيانها لسياسي.


ومن باب التأكيد لا بد أن نؤكد أن هذا النوع من الخيار السياسي لاحتواء إيران صار ضرورة إقليمية وعربية ودولية، لان الأدوار التي تلعبها في اسناد ودعم الارهاب والمجموعات المسلحة، ضاقت حدود صبر الدول والشعوب المجاورة لها، وباتت خطرة على وجودهم وحضورهم.. لهذا فان احتواء ايران في المنظور الحاضر والعمل على تفكيكها في المنظور البعيد بات ضرورة ملحة بحاجة لتعاون الجميع، لازالة الخطورة الكبيرة لهذه الدولة المساندة والراعية للارهاب.

د.جرجيس كوليزادة
[email protected]