القمة الإسلامية بين الإدانة المأزومة والمشروع الحضاري المنشود
دعت القمة الإسلامية، التي بدأت الخميس الفائت في جلسة افتتاحها في العاصمة السنغالية داكار، مختلف دول العالم إلى سن التشريعات اللازمة لتجريم ازدراء الأديان، وامتهان المقدسات والرموز الدينية بكافة ألوانها و لعل كلمة عمرو موسى الأمين العام لجامعة الدول العربية عكست الى حدّ ما الأزمة الفكرية حيث قال: quot;تنعقد في ظروف دقيقة، أهمها التصادم الفكري بين العالم الإسلامي والغرب.quot; مضيفًا أن الملايين من العالم الإسلامي يتطلعون إلى الرسالة التي ستخرج بها، مشدداً على ضرورة أن تكون القمة مدافعة quot; عن مصالحهم، وترد على الإساءات بحق رسولنا عليه الصلاة والسلام، والرد على لصق الإرهاب بالإسلام.quot;
والمُتابع لردود الأفعال الشعبية منها والرسمية التي غرقت بها وسائل الإعلام العالمية في الآونة الأخيرة على خلفية quot;الرسوم الكاريكاتوريةquot; القضية القديمة الجديدة، يجد أنها تراوحت بين خطابات الإدانة والمواقف الشاجبة والمستنكرة في الأوساط العربية والإسلامية وحتى المسيحية ، وخطاب مقابل يدافع عن الحريات الاعلامية الذي يدخل في اطار موقف صحفي قدّم في وسائل الاعلام وهو يدخل ضمن حرية الرأي ليس إلا،و في سياق احترام حرية تعبير الإنسان كما يكفلها له القانون، وهي دول مُؤسسة على الليبراليات وتعد ذلك ركن أساسي من ركائزها.
وأمام تلك المعطيات لابد من ان نطرح تساؤلات عدة منها:
هل أن الأمر الحاصل برمتّه يتطلب كلّ هذه المواقف، سواء quot;الشاجبةquot; منها، ام quot;المدافعةquot;؟؟؟؟
ماهي جدوى الإدانات؟؟ وما هي الجدوى من اتخاذ quot;موقفquot; كلامي؟؟؟ وهل quot;الاعتذارquot;كما يطالب البعض له قيمة؟؟؟ وما هي قيمته؟؟
وماذا قدّم أبناء الحضارات المشرقية والغربية من دورحقيقي وخطوات في ارساء قواعد حقيقية للحوار؟؟؟؟
وهل قدرنا كشعوب أن نبقى تحت رحمة التصورات الأيديولوجية الى ما لا نهاية؟؟؟؟
وهل سيبقى خطاب اللاهوتين هو المحرك الأقوى للشعوب؟؟؟
ومتى سيتحول دور الشعوب من دائرة ردود الفعل الى دائرة الفعل الحضاري المنتج؟؟؟

وبغض النظر عن الرسوم وطبيعتها وبعيدًا عن تفاصيل دلالاته الفكرية والسياسية والدوغمائية... فإن المشهد الثقافي العالمي يعكس صورة متأزمة لأزمة قديمة جدّا قدم الديانات السماوية نفسها، و هي أزمة ثقافية عميقة وحقيقية، كما أن سببها الرئيس- من وجهة نظري - هو انعدام الحوار الفعلي بين الثقافات والحضارات العالمية من جهة، وسلطة quot;اللاهوت quot; من جهة أخرى.

و تتحمل كافة أطياف الحضارة الإنسانية دون استثناء مسؤولية فشل الحوارالحقيقي، بالرغم من كثرة المؤتمرات والندوات التي تُعقَد هنا وهناك تحت عنواين متعددة، لمواجهة أطروحة quot;صدام الحضاراتquot;، فإن معظمها في الحقيقة لا يقدم مضامين فكرية جادة، بل أشبه ماتكون هذه المؤتمرات بكرنفالات استعراضية خالية من المحتوى، و تهدف الى تقديم صورة تخدم البروباغندا الاعلامية أكثر من تقديمها لحلول عملية لاشكاليات العلاقات الثقافية.
لقد تحول دور القمم لا سيما العربية والاسلامية منها من قمم منتجة للمشاريع البناءة الى قمم quot;شجب وإدانة quot; لا تخرج عن دائرة ردود الافعال، ففي الوقت الذي نطمح فيه وننتطلع الى إرساء مشاريع فكرية وطرح رؤى فكرية جديدة خلاقة ومبدعة، وانشاء مراكز حوارية فكرية فاعلة ومتاحف فنية تعرف بالحضارات وتقديم دراسات اثنولوجية وانتربولوجية حقيقية بعيدة عن الأدلجة، نجد ان معظم مضامين مشاريع quot;الحوارquot; التي تُطرح تحتوي على quot;شعارات مؤدلجةquot; تعتمد خطابا quot;لاهوتيّا quot; يقابل quot;خطاب quot;لاهوتي مضادquot; لا يؤدي إلا لمزيد من الفشل...
وفي ظل هذا الواقع الحضاري المأزوم، يبقى التواصل والتفاعل الإيجابي خير طريق، وهو التفاعل القائم على تقديم ما هو عملي برغماتي مبني على رؤية تتجاوز الزمان وتتحلل من العقد التاريخية والأعباء الأيديولوجية، وتقديم المفردات الحضارية على انها قابلة وقادرة لأن تستجيب لحاجات أبناء الثقافات المغايرة تنتمي لواقع يختلف عن واقعنا كما انها تمتلك مقومات طرح الحلول.
وهذا لن يحصل إلا بوضع المشترك العام بين أبناء الحضارة الإنسانية ؛ فمن المعيب اليوم ان يتقوقع المرء ضمن علب فكرية، ولا بد من ايجاد جسور تؤدي إلى الاندماج الإيجابي المنبني على الفعل والتفاعل.... وان عملية احتواء الصراعات الثقافية والحضارية والوصول إلى صيغ إنسانية للقضايا الانسانية المختلف حولها تعد من اولى الاولويات .
ولهذا السبب لا بد أن نعيد التفكير في هذه القضايا من جديد وأن ننظر إلى الأمور بواقعية أكثر من خلال منظورات لم تُعرَف من قبل واكرر جملتي: من خلال منظورات لم تعرف من قبل، وذلك بهدف تقديم صورة أخرى عن quot;الإسلامquot; وquot;الغربquot; غير الصورة السائدة، فالصورة المتبادلة حاليًّا بين كلٍّ من المسلمين والغربيين والتي يمتلكها كل طرف عن الآخر غير مجدية على الإطلاق، بل تكرسّ الإيديولوجيات المؤسسة للنزاع وكثيرا ما تأتي التصريحات الأخيرة في هذا السياق نفسه .
فالتصورات لدى جميع الأطراف تشكِّل أحكامًا مسبقة تمنع من رؤية الأمور بوضوح، أي أنها تمنع من بناء نظرة حقيقية تاريخية كما تمنع من لقاء حقيقي بين الطرفين؛ فبعض التيارات quot;الإسلاميةquot; تعتبر أن quot;الغربquot; بكلِّ رموزه معادٍ له بشكل دائم ومنتظم وان المسلمون دائما في دائرة الاستهداف، و بالمقابل فالإنسان quot;الغربيquot; ينظر بشكل عام إلى المسلمين أنهم غريبين في عاداتهم وتقاليدهم وطقوسهم ومحبين للحروب في معظم الأحيان...
إن عملية ترسيخ الحوار الحضاري المنشود،تتطلب منَّا قبل كل شيئ فهم التاريخ بشكل واعي وعندما تتخلى حضارة ما عن تاريخها وتستقيل من جغرافيتها كما هو حاصل فإنها ستقع ضحية تهافت الآخرين عليها.
فالعمليات الحوارية السائدة حاليّا لا تؤسس الا لمزيد من التشنج وذلك لعمق الخطأ الفكري والمنهجي الذي ترتكبه الأطراف المتحاورة لأن مرتكزات الحوار ومنطلقاته دوغمائية عقائدية بحتة في معظم الأحيان، كما أن كلَّ طرف محاور ينظر للآخر على انه quot;شرّquot; يجب أن ينتهي، فالمتحاورين الآن يتحاورون من خلف الجدر العالية والخطأ في هذه الحالة مُركّب لسببين: الأول أن المنطلقات الحوارية هي نصوص quot; مقدسة quot; وبالتالي فهي تُفرض بشكل غير قابل للنقاش أصلا, الأمر الثاني والأخطر هو أنها تطرح على أنها إلزامية وحتمية بحق الآخر، وبالتالي فالأطراف تخرج من الحوار اشد عداءًا وأكثر انغلاقًا.
في حين ان الحوار الفاعل يفترض قبل كل شيئ و بالدرجة الأولى أن تنقد الحضارة نفسها أولا، فالمسلمون اليوم مطالبون بتحمل مسؤولياتهم الفكرية والخروج من دائرة القاء اللوم على الآخرين وأن يبدؤا بنقد موروثاتهم الأيديولوجية وتطويرها بما يلائم مستوى الواقع الذي يحيونه، والنظر الى التاريخ الحضاري بوصفه تراكم مستمر وسيرورة دائمة، وهذا يحتم الدخول في تفسير النصوص quot;المقدسةquot; التي أدت الى مأسسة الدين و تجليه في جماعات متنوعة ومذاهب وتيارات.
وفي الوقت التي تتجه فيه البحوث الحضارية لاعتبار التنوع غنىً و مجالا إنسانيًا للإبداع, لابد من التوجه للتأكيد على أهمية ايجاد نوع من المساندة الحضارية بين الحضارات والثقافات للأمم المتنوعة، الأمر الذي يُغني التجربة الإنسانية من جهة، و يحقق منظومة اوموجانية تكاملية في ظل التنوع والتعددية من جهة أخرى، كما يؤدي إلى صياغة عادلة توفر لجميع بني البشر الحقوق القانونية المدنية لتحقيق عدالة إنسانية تليق بالكائن المسمى إنسانًا.
ربما أملنا يبقى معقودا ان تتحول قممنا العربية والاسلامية من قمم شجب وإدانة الى قمم منتجة للفعل الحضاري المنشود، وأترك للقارئ الحكم من خلال مقارنة بسيطة بين جدول أعمال القمة الاسلامية التي افتحتت بشجب وإدانة وجدول أعمال قمة الاتحاد الأوروبي الذي أقرالمقترح الفرنسي بإقامة اتحاد متوسطي من اجل تقوية العلاقات مع الحضارات الاخرى والجيران الجنوبيين لدول الاتحاد الأوروبي!!!!!!
هوامش:
1 -وكالات الأنباء ndash; CNN - AFP - 13 -3 2008
2- ان مواقف اللاهوتيين تتشابه الى حد بعيد بغض النظر عن اديانهم وانتماءاتهم ومعتقداتهم والسبب انهم يشتركون في منح أنفسهم نوع من القدسية ...
3- لمزيد من التوضيح حول الموضوع العودة الى مقال الكاتبة المعنون : المسلمون والغرب وانعدام الحوار
4- العودة المنشورة في ايلاف بعنوان أزمة القيم واختزال المقدس في عصر التعقيدات

[email protected]
http://marwa-kreidieh.maktoobblog.com/