تعقد جماعة 'مصريون ضد التمييز الديني' مؤتمرها الأول في 11- 12 أبريل 2008 بمقر نقابة الصحفيين بالقاهرة، وهو مؤتمر مفتوح لكل مهتم بمصر الوطن والمواطنة، ليشارك كمتضامن لصالح قضية عدم التمييز، أو كمشارك في النقاش، من أجل تعميق الوعي الوطني بعقد اجتماعي جديد قائم على مفهوم المواطنة.
المتوقع لهذا المؤتمر أن يشكل نقلة نوعية في فكر ومنهج مقاربة المشاكل الناجمة عن الاحتقانات الطائفية، التي تعاني منها منطقة الشرق الأوسط على وجه العموم، وفي القلب منها مصر، التي تعايش على أرضها على مر التاريخ مختلف الأديان والعقائد والمذاهب، في توافق وانسجام أشبه بالانسياب المتهادي لنهر النيل، الذي نادراً ما يثور هادراً بفيضانه، أو يبخل مقتراً فيما يضخه في شرايين مصر من حياة.
من يطالع محاور المؤتمر والمتابع على شبكة الإنترنت للمناقشات التي تدور بين أفراد المجموعة، والجدل الذي يديرونه مع أعلام الفكر والكتاب المصريين، يستطيع أن يلمح بسهولة الجديد في منهج هذه الجماعة في مقاربتها لما ينظر إليه البعض كمشكلة طائفية، تنحصر في شكوى أقلية من ظلم أو مضايقات أغلبية.
حقاً تشمل أنشطة جماعة 'مصريون ضد التمييز الديني' الوقوف بجانب الحالات الفردية التي تتعرض للتمييز الديني، والتضامن معها ومتابعة التطورات حتى يتم رفع ما حاق بها من غبن، لكن هذا الجانب من النشاط الأشبه بسيارة إسعاف أو نجدة لخدمات الطوارئ، يدخل في منهج الجماعة من باب الفعاليات العلاجية أو التصحيحية corrective actions، وهو جانب هام وضروري على المدى القصير short term، لكن المحور الأساسي لتوجه الجماعة هو العمل على إعادة ترتيب البيت المصري على المدى الطويل long term، وفقاً لمفهوم الإجراءات المانعة preventive actions.
ورغم أن الشكل العام للقضية محل الاهتمام يدخلها ضمن دائرة القضايا الأخلاقية والإنسانية والمثل العليا، التي ترفض التفرقة بين البشر على أساس معتقداتهم الدينية، إلا أن فكر جماعة 'مصريون ضد التمييز الديني' ومناقشاتهم تتعدى هذه الحدود، لتهدف إلى تحديث الثقافة والمجتمع المصري، بما يكفل دفعه للأمام في جميع المجالات الاقتصادية والسياسية والعلمية والاجتماعية، فالتمييز الديني الذي تستهدف الجماعة مناهضته هو بمثابة ناتج سلبي من نواتج المجتمع، مطلوب تلافيه رحمة بمن يتضررون منه، لكن الأهم والأخطر هو النظر إلى ذلك التمييز على أنه مجرد مؤشر على أن المجتمع مريض، وأن ثقافته وعلاقاته ونظمه وقوانينه إما قد أصابها العطب، أو أنها تقادمت وتجاوزها الزمن منهياً صلاحيتها لإنتاج مخرجات جيدة تتناسب مع العصر، بهذا نضع التمييز الديني بين أبناء الوطن الواحد ضمن سلة السلبيات الظاهرة أعراضها في كافة مناحي الحياة المصرية، مع التعثر الاقتصادي والسياسي والاجتماعي، ومع عدم كفاءة منظومات التعليم والرعاية الصحية وتنمية الموارد البشرية... إلخ، ومع انتشار العشوائية في السلوك العام، سواء من جانب الجماهير، أو حتى مؤسسات الدولة، التي صارت تعمل كرجل المطافئ، يتوجه لإطفاء النيران متى اشتعلت، دون أن يعمل جدياً قبل أو بعد ذلك على منع اشتعالها من الأساس.
وفق هذا المنهج تكون مقاربة 'مناهضة التمييز الديني' مدخلاً من المداخل الهامة والملحة، الواجب ولوجها في معرض منظومة تحديث شاملة للوطن، للانتقال به إلى مستوى العصر، ليكون قادراً على التعامل والالتحاق بالركب العالمي، الذي يسير الآن كما لو قاطرة واحدة تضم العديد من العربات، لكنه يتطلب لكي تلتحق مصر بتلك القاطرة أن تمتك مواصفات تؤهلها لهذا، دون أن تتضرر هي جراء شدة المنافسة والتحديات، ودون أن تصير عبئاً على هذه القاطرة العالمية، بل ولتزودها بقوة دافعة إضافية.
لا تقتصر الآثار المترتبة على رسالة 'مصريون ضد التمييز الديني' إذن على مجرد توقف المجتمع عن إنتاج الظلم لبعض من أبنائه المختلفين دينياً عن الأغلبية، أو لبعض أبنائه من المسلمين الذين يفهمون دينهم بصورة تختلف عن الفهم السائد، وخاصة ذلك الفهم الذي تروج له جماعات التأسلم السياسي وهابية العقيدة، كما حدث مع د. نصر حامد أبو زيد ود. أحمد صبحي منصور ود. نوال السعداوي، أو كما في حالة المدرسة المسلمة التي وقفت الجماعة بجانبها فيما تعرضت له من تضييق لعدم ارتدائها الحجاب أو الخمار أو التشادور.. ليس المستهدف النهائي توقف المجتمع عن ظلم أبنائه وحسب، وإنما أن يصبح المجتمع المصري بيئة مناسبة ومثلى للإبداع الإنساني، ولتفجر طاقات وملكات أبنائه الإبداعية في جميع المجالات والميادين، فهذا هو التعريف الجوهري الوحيد للمجتمع الصحي المعافى، أن يحفز أبناءه على إخراج أفضل ما في طبيعتهم، وعلى تنمية مهاراتهم ومعارفهم، مجتمع يكافئ عن العلم والجد والمثابرة في العمل، وليس ما نراه الآن من رواج الدجل والدجالين، وتكوينهم لثروات طائلة، من حرفة تضليل الناس وتغييب عقولهم.
لا يجب أن نتوقع أن تكون الأرض مفروشة بالورود أو حتى ممهدة أمام جماعة هذا هو مستوى طوحها لوطنها، وإذا كنا في غنى عن استعراض الأعداء التقليديين لمثل تلك التوجهات، فإننا لابد وأن نضع أمام أعيننا العبارة المشهورة 'اللهم اكفني شر أصدقائي، أما أعدائي فأنا كفيل بهم'، فإذا كان أحدهم قد نشر أخيراً مقالاً عن الجماعة يتحدث فيه عن محاذير، فإنه يجوز لنا أن نرى محاذير في تلك المحاذير، فبعض المنتمين إلى دائرة المستهدفين 'بالتمييز الديني' لا يريدون لحوار حول الموضوع أن يتم إلا لو اتخذ شكل 'حائط مبكى'، يمارس عنده المظلومون العويل ولطم الخدود، وكيل الاتهامات للطرف الآخر، دون حسيب أو مراجع، وفق ذهنية أحادية ترفض الحديث إلا بلغة الأبيض والأسود.. الملائكة والشياطين، مما أدى بصاحبنا إلى تصنيف القبطي الذي يتجرأ على الحديث عن نقاط على الأقباط أن يتداركوها لتحسين وضعهم، وتحسين البيئة والثقافة المصرية بوجه عام، فيصنفه على أنه من 'المزايدين' الذين ينافقون الطرف المهيمن، أو ممن يحبون الإمساك بالعصا من منتصفها، بل ويتمادى صاحبنا فيعتبره 'قبطي كاره لذاته'، وكأن المراجعة والنقد الذاتي جريمة كراهية في حق الطرف الذي ننتقده، رغم أن الأقباط هم الأولى بمحاربة هذا المفهوم، لأنهم ينتقدون توجهات البعض من إخوانهم المسلمين، ولا يمكن اعتبار هذا من قبيل الكراهية، بل هو الحب الدافع لمحاولة الوصول معاً إلى الكمال أو ما هو قريب منه، لكنها الفاشية واللاعقلانية التي تسيدت المجتمع المصري، ولم يسلم من تأثيراتها أحد.
جماعة 'مصريون ضد التمييز الديني' قادرة بما تضم من كفاءات تنتمي إلى كل مساحة الطيف المصري، سواء الديني أو السياسي، في مؤتمرها الأول لمناهضة التمييز الديني، على إدارة حوار وليس صراع.. جدل مجتمعي بناء وليس تصادم وتطاحن، نتكاتف فيه جميعاً لتأسيس عقد اجتماعي جديد لمصر الحداثة والتقدم.
الجماعة ومؤتمرهم منفتحون ويدعون كل الرموز والتيارات الفكرية، وكل أبناء الوطن من مختلف الأديان والعقائد والمذاهب، لنجعل معاً من يومي 11 و 12 أبريل القادم حجر أساس لمسيرة طويلة، لن نبخل بجهد لاستكمالها، فمصرنا ستظل حية بأبنائها، وقادرة على الخروج من النفق المظلم، إلى آفاق الألفية الثالثة.
[email protected]