(إيلاف) تستعرض أزمة الأحزاب في مصر (1 من 2)
الفوضى تضرب مؤسسة المعارضة التقليدية


نبيل شرف الدين من القاهرة: quot;لم يحدث هذا فجأة، بل كان مجرد عرض لمرض مستعص مزمن، وما أن تعرض المريض لبعض الهواء حتى انطلقت كل الجراثيم من مكمنهاquot; .. بهذه العبارة التي شخّص بها أحد المعارضين البارزين المشهد السياسي الراهن داخل أحزاب المعارضة المصرية، تستهل (إيلاف) استعراض بعض تفاصيل هذا المشهد، بعد أن اشتعلت الأزمات داخل quot;مؤسسة المعارضةquot; المصرية على نحو قد ينذر بفوضى في الخارطة السياسية الداخلية، خاصة إثر الفشل الذي منيت به معظم أحزاب المعارضة في الانتخابات البرلمانية السابقة أمام اكتساح جماعة quot;الإخوان المسلمينquot;، فضلاً عن فشلها التقليدي أمام الحزب الوطني quot;الحاكمquot;.

وتفجرت الأوضاع الداخلية في عدة أحزاب، كان في مقدمتها quot;الوفدquot;، الذي كان أحد أكثر الأحزاب السياسية في مصر استقراراً وفاعلية لسنوات مضت، استناداً إلى تراثه وقدرات القائمين عليه، إلا أن هذا الوضع تبدل رأساً على عقب منذ تولي نعمان جمعة رئاسة الحزب الأقدم على الساحة المصرية، عقب وفاة فؤاد سراج الدين باشا، وبدت الأزمة أكثر تعقيداً بعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية وما ترتب عليهما من خسائر فادحة لرئيس الحزب ومعظم قادته ورموزه، وانقسم الحزب إلى فريقين الأول يقوده نعمان جمعة رئيس الحزب، والثاني يمثله عدد من أبرز أعضاء الهيئة العليا بالحزب.

وباستثناء الحزب الوطني quot;الحاكمquot; الذي يهيمن على كافة مفاصل السلطة، ويتداخل بشكل تام مع الجهاز الإداري للدولة، فإن بقية الأحزاب المصرية تعاني سلسلة أزمات مزمنة، وخلافات بين قادتها تبدو مستعصية، وربما لا يبالغ المراقبون حين يرون تلك الخلافات تكاد تتجاوز خلافات تلك الأحزاب مجتمعة مع الحزب الحاكم، فضلاً عن انفصال معظم هذه الأحزاب عن القواعد الجماهيرية، وتكلس خطابها السياسي منذ أعوام طويلة، وانحسار أغلب أنشطتها في مجرد إصدار صحيفة.

رؤساء أحزاب المعارضة
صراعات وانقسامات
المشهد الوفدي المتوتر يتكرر بصيغ متعددة في الكثير من الأحزاب السياسية الأخرى، فمن حزب quot;العملquot; المجمد بقرار حكومي إثر أزمة الروايات الشهيرة، إلى حزب quot;الأحرارquot; الذي أسسه الراحل مصطفى كامل مراد ـ وهو أحد الضباط الأحرار ـ يتنازع على رئاسته أكثر من طرف في مقدمتهم النائب طلعت السادات، ابن شقيق الرئيس الراحل أنور السادات، وحلمي سالم وغيرهما، من دون حسم نهائي لصالح أي من تلك الأطراف المتصارعة حتى الآن.

أما المشهد الأكثر تعقيداً فيبدو واضحاً في حزب quot;الغدquot;، الذي كان يرأسه المعارض البارز أيمن نور قبل أن تقضي محكمة مصرية بحبسه خمسة أعوام مؤخراً، فعقب حبس أيمن نور الذي حقق المركز الثاني بعد الرئيس حسني مبارك في الانتخابات الرئاسية السابقة، باتت تتنازع رئاسة حزبه quot;الغدquot; ثلاثة أطراف، الأول هو الدبلوماسي السابق ناجي الغطريفي الذي أكد أن الجمعية العمومية غير العادية للحزب وافقت في اجتماعها يوم الجمعة الماضي على اختياره رئيسا خلفا لأيمن نور بعد سجنه، موضحاً أنه أخطر لجنة شئون الأحزاب بهذا التطور، وأن ظروف حبس نور هي التي دفعته إلى الإقدام على هذه الخطوة حفاظاً على الحزب.

أما الطرف الثاني الذي ينازع على رئاسة الحزب فهو النائب السابق لأيمن نور، رجل الأعمال موسى مصطفى موسى الذي يقول إن النزاع على رئاسة الحزب بينه وبين نور انتهى بحبس الأخير بموجب حكم قضائي، وأنه الأجدر برئاسة الحزب لاعتبارات عدة، منها أنه كان النائب الأول لرئيسه، كما أنه عقد جمعية عمومية quot;موازيةquot; انتخبته رئيساً للحزب، موضحاً أن كافة القرارات الصادرة عن تلك الجمعية تم إخطار لجنة شئون الأحزاب بها علماً.

رؤساء الأحزاب
وأخيراً ظهر طرف ثالث ممثلاً في سيدة تدعى فاتن الزعويلي التي عقدت بدورها مؤتمرا تم انتخابها خلاله رئيسا لحزب الغد، وقالت إنها قامت بإخطار لجنة شئون الأحزاب بأنها أصبحت رئيساً للحزب، وأن وكيلها هو المستشار مرسي الشيخ، لكن بمجرد إطلاقها تلك التصريحات بادر مرسي الشيخ بتقديم بلاغ رسمي للنائب العام ولرئيس مجلس الشورى بصفته رئيس لجنة شئون الأحزاب السياسية، ينفي فيه ما أعلنته فاتن، وينفي وجود أي علاقة له بها، قائلاً إن ما أقدمت عليه يمثل تزويرا للحقائق وجريمة إذاعة شائعات كاذبة، وفي الوقت ذاته أطلق موسى مصطفى بيانا آخر نفى فيه أي صلة لفاتن بالحزب، لافتاً إلى إنها مجرد صحافية متدربة بصحيفة quot;الغدquot; لسان حال الحزب، وأنها جزء من مخطط يستهدف ضرب حزب quot;الغدquot; ودخوله نفق تجميد الذي تنشد الحكومة أن ينتهي إليه بعد أن خاض منافسة حقيقيةquot;، حسب تعبيره.

القوى الجديدة
وجاءت نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة كضربة موجعة لكل الأحزاب المصرية، وفجرت أوضاعها الداخلية بشكل حاد انتقل من حزب إلى آخر كالحرائق، بينما تصاعد نجم قوى المعارضة الجديدة مثل الحركة المصرية من أجل التغيير (كفاية)، وجماعة quot;الإخوان المسلمينquot; المحظورة رسمياً، فضلاً عن عشرات الحركات التي تتشكل في الشارع السياسي، وأخرى مازالت قيد التشكل في رحم الغيب، بعد ظهور جيل جديد من الغاضبين الشباب الذين تجاوزا الأطر التقليدية للمعارضة.

وعندما قام ضياء الدين داود رئيس الحزب الناصري بتجميد عضوية كل من حمدين صباحي الذي يمثل جيل الوسط، وصلاح الدسوقي، وعلي عبد المجيد، وشفيق الجزار، وأمين إسكندر وغيرهم، سعى هؤلاء إلى تأسيس أحزاب جديدة، حتى أصبحت هناك عدة كيانات تتأسس استناداً إلى المرجعية القومية الناصرية بخطابها التقليدي الذي يصر المبشرون به على الركون إليه، من دون محاولات لتجديده أو مراجعته في ضوء المتغيرات الهائلة التي طالت مصر والمنطقة والعالم بأسره.

وحتى حزب التجمع اليساري المعروف بتماسكه ونخبوية قادته، أمسى محاصراً بأجواء من الاستياء، خاصة بعد فشل مرشحيه في الانتخابات البرلمانية، حيث لم يحصل الحزب إلا على مقعدين، غير أن أمينه العام حسين عبد الرازق أطلق تطمينات قال فيها إن quot;الحزب يدرس الموقف ويعالج أوضاعه بشكل داخلي هادئquot;.

ويدافع أمين عام حزب quot;التجمعquot; عن تجربة أحزاب المعارضة، ملقياً باللوم على سلوك السلطة والمناخ العام الذي صنعته، قائلاً إن ما حدث لتلك الأحزاب منذ بدء التعددية السياسية المقيدة عام 1976 منعت الأحزاب من التواصل مع المواطنين، وأن قانون الأحزاب حال دون إقامة امتدادات لها في الجامعات أو في المصالح الحكومية وفي المصانع والشركات، حيث توجد التجمعات الجماهيرية الطبيعية.

ومضى عبد الرازق قائلاً إن الأحزاب منعت أيضاً من إقامة مؤتمرات خارج مقارها، ومن تنظيم مسيرات سلمية ومن توزيع البيانات، وهو الشكل الثاني من أشكال الاتصال بالجماهير، فكان طبيعياً ألا تنشأ صلة حقيقية بين تلك الأحزاب والشارع، غير أنه استدرك معترفاً بأن ما يجري الآن داخل الأحزاب أمر لا يخلو من بعض الإيجابيات، ممثلة في إجراء مراجعات داخلية تضع نصب أعينها في المقام الأول هدف التواصل الحقيقي والفاعل مع الجماهير.