أبو النجا
أسامة العيسة من القدس: استقبل الفلسطينيون عام 2008، وهم يعرفون، انهم سيعيشون سنة أخرى تحت الاحتلال، وان تحول مسالة حرق شارب قيادي في حركة فتح، إلى قضية رأي عام، إستوجبت إصدار البيانات واطلاق التصريحات، تشكل رمزا للخلافات الداخلية التي سينشغل بها الفلسطينيون طوال السنة الجديدة، فيما يواصل الاحتلال بداب تنفيذ خططه بتهويد الأرض الفلسطينية.

وكانت حركة فتح اتهمت قوات حركة حماس التي تسيطر على غزة، باختطاف إبراهيم أبو النجا، عضو المجلس التشريعي الفلسطيني السابق والقيادي في فتح، لعدة ساعات وحلق شاربه وشعر رأسه.

ووفقا لرواية مصادر حركة فتح، فان أبا النجا، كان في منزله بين أبنائه وأحفاده، يستقبل العام الجديد، محتفلا بذكرى انطلاقة حركة فتح الثالثة والأربعين، عندما اقتحمت مجموعة من الملثمين المنزل، واقتادوه مقيد اليدين ومعصوب العينين، وفي مكان لم يستطع أبو النجا تحديده، اقدم الخاطفون على حلق شاربه الذي تميز به، وكذلك حلق رأسه، ثم طلبوا منه العودة إلى المنزل فرفض، حتى نقلوه إلى مكان قريب من المنطقة التي يسكن فيها، فعاد إلى المنزل بدون شعر شارب.

ويعتبر ما اصبح يعرف بقضية شارب أبو النجا، شكلا من الانتقام البدائي الذي يمارسه الخصوم السياسيون في فلسطين ضد بعضهم البعض.
وإذا كانت حركة حماس أو قوة محسوبة عليها هي التي حلقت شارب أبو النجا، فان عملها هذا يذكر بممارسات شبيهة، لقوات الأمن الفلسطينية في سنوات السلطة الأولى، عندما كانت تقدم على حلق رؤوس ولحى قياديين في حركة حماس أمثال الشهيد الدكتور عبد العزيز الرنتيسي، أو الدكتور محمود الزهار.

وفي حين كان المتحدثون باسم حماس والمتعاطفون مع قضية المعتقلين السياسيين منها، يصفون حلق لحى بعض رموزها، والذي كان يقصد به الإهانة، هو شرف لهم، يحدث الان نفس الأمر، حيث يعتبر المتعاطفون مع ابي النجا بان حلق شاربه هو فخر له.

والتركيز على لحى قادة حماس في السابق، وشارب أبو النجا الان، قصد منه المنتقمون البدائيون، احداث اكبر إهانة معنوية، فلحى قادة حركة حماس ترمز بشكل أو باخر إلى هوية سياسية ودينية لاصحابها، أما شارب القيادي الفتحاوي أبو النجا، فكان مثار اعتزازه، ويذكر بشوارب كثة مثيلة كانت مثار اعتزاز أصحابها من الأجيال الفلسطينية الأولى التي التحقت بحركات المقاومة الفلسطينية، مدفوعة برغبة جارفة للانضمام إلى العمل الفدائي، الذي شكل لها، بالإضافة إلى معان كثيرة مثل الوطنية، معان أخرى مثل الرجولة.

ونظر إلى الشارب الكث، في فترات طويلة، خصوصا في بر الشام، على انه رمزا للرجولة، وفي رمضان الفائت استطاع مسلسل سوري حمل اسم (باب الحارة) ان يسمر المشاهدين الفلسطينيين في منازلهم، ليرون ممثلين يتحركون على الشاشة اكبر ميزة لهم هي شواربهم الكثة.

والغريب أن المسلسل، دخل في حومة ثقافة الانتقام البدائي السائدة في العمل السياسي الفلسطيني، فمثلا خط نشطاء يعتقد انهم من حركة فتح شعارات على جدران قرية بيت أمر، جنوب الضفة الغربية، تشبه حركة حماس وزعمائها بالأبطال الشريرين في المسلسل السوري.

وعمدت فرقة فنية متماثلة مع حركة حماس الى غناء مقدمة المسلسل بعد استبدال كلماتها باخرى تمجد حركة فتح. وبعد أن كشف ما جرى لابي النجا، صدرت ردود فعل غاضبة في الضفة الغربية ليست فقط من حركة فتح ورموزها، بل أيضا من أحد رموز حركة حماس وهو الدكتور ناصر الشاعر، نائب رئيس الوزراء السابق، الذي استنكر ما حدث لابي النجا.

ويذكر موقف الشاعر، بمواقف قادة من فتح كانت تسارع لاستنكار ما تفعله أجهزتها الأمنية ضد رموز حماس، وهو نوع يحلو للمراقبين ان يصنفوه ضمن ما يسمونه تبادل الأدوار في الحركات الفلسطينية، التي يعتقد بانها تستند إلى ثقافة سياسية واحدة.

وتعكس ثقافة الانتقام البدائي نفسها على مناخ الصراع بين حركتي فح وحماس، ففي حين تمنع حركة حماس التلفزيون الفلسطيني من البث من قطاع غزة، تمنع السلطة في رام الله تلفزيون الأقصى التابع لحركة حماس من البث من الضفة الغربية، وتلاحق وتعتقل مراسليه، بينما يتابع المواطن الفلسطيني اخباره عبر القنوات الإسرائيلية التي يتجول مراسلوها بحرية في الضفة وغزة، ويلتقون المسؤولين في كل منها، وينقلون تصريحاتهم، خصوصا وان هؤلاء المسؤولين يعرفون بأنهم سيكونون اكثر متابعة لو طلوا عبر القنوات الإسرائيلية.

وعندما قررت السلطة في رام الله، منع نشطاء حماس من الاحتفال بذكرى انطلاقة حركتهم، حذت سلطة حماس حذوها وعمدت الى منع نشطاء فتح من احياء ذكرى انطلاق حركتهم في قطاع غزة، وبسبب ذلك سقط ثمانية قتلى من الفلسطينيين.

وفي الضفة الغربية وقطاع غزة، يدخل فلسطينيون سجون سلطتين، وكثير منهم لا يعرف التهم التي اعتقل بسببها، ويتم احتجازهم في ظروف صعبة جدا، ولفترات طويلة.

وانعكس كل ذلك على الأسرى الفلسطينيين في سجون اسرائيل، الذين وضعوا في أقسام منفصلة، بعضها لاسرى فتح ومنظمة التحرير، والأخرى لاسرى حماس.

وتوجه جهد كبير للأسرى إلى الخلافات الداخلية، حتى واسرى منظمة التحرير يحيون ذكرى انطلاقة فتح داخل السجون. وقال النائب عيسى قراقع مقرر لجنة الأسرى في المجلس التشريعي الفلسطيني، أن الأسرى في احتفالات الذكرى الثالثة والأربعين لانطلاقة فتح قد أدانوا ما وصفها quot;الأعمال الوحشية والإجرامية التي ترتكبها ميليشيات حماس في قطاع غزة وقيامها بمنع إحياء ذكرى الانطلاقة واختطاف واعتقال وقتل كوادر فتح ونسف المباني معتبرين ذلك إرهاباً فكرياً يسيء إلى تاريخ الثورة ونضالات وتضحيات الشهداء والأسرى والجرحى والمبعدينquot;.

ودعا الأسرى الشعب الفلسطيني إلى الالتفاف حول ما اسموها quot;الشرعية الفلسطينية ومقاومة كل أشكال الانقلاب واستخدام السلاح ونبذ الظلاميين ومحاسبتهمquot;.

وطغى الاهتمام بشارب أبو النجا، لدى الفلسطينيين على أي شيء اخر بما فيه خطط إسرائيل لبناء وحدات استيطانية جديدة. ونظم فلسطينيون في اكثر من مدينة فلسطينية، بما فيها مدينة رام الله، اعتصامات احتجاجية على اقدام حركة حماس على حلق شارب ابو النجا.

وهكذا يستقبل الفلسطينيون، الذين يئنون من وطأة احتلال قاس، العام الجديد، وهو ما يؤشر إلى المازق التي قادهم إليها فصائلهم السياسية.