خمسة اعوام على عملية حرية العراق
عراقيون: الفوائد اكبر من الخسائر في حرب حرية العراق

سيف الخياط من بغداد:لم يدر في خلد عبد الجليل محمد انه سيعود الى وظيفته التي احبها بعد ان طرد منها منذ ثلاثين عام بتهمة انتمائه الى حزب سياسي وتكون له اهمية خاصة باعتبار انه معارض سياسي كما يستطيع الان ان يوظف ابنائه الثلاث في دوائر الدولة الامنية والعسكرية. وكان نظام صدام حسين السابق الذي حكم العراق لمدة تزيد على الثلاثين عام يقوم بطرد جميع موظفي الدولة المنتمين الى احزاب وحركات سياسية معارضة لحزبه البعث العربي علاوة على اعتقالهم وسجنهم وتقديمهم الى محاكمات صورية تحكم باقسى العقوبات اخفها السجن المؤبد.

وقامت الولايات المتحدة الامريكية بجمع حلفاء وشن حرب لاسقاط صدام حسين عرفت باسم quot;عملية حرية العراقquot; بتهمة امتلاكه لاسلحة دمار شامل ودعم تنظيم القاعدة الارهابي، ولم يثبت التحقق من صحة ذلك على الرغم من مرور خمسة اعوام على العمليات العسكرية ورغم استخدام نظام صدام حسين لاسلحة كيماوية محرمة دوليا لضرب مدنيين اكراد يسكنون في شمال العراق عام 1988 راح ضحيتها 5000 الاف شخص.

وحكم صدام حسين العراق بصورة فردية ولم يسمح لاحزاب اخرى مشاركته الحكم او المنافسة عبر الانتخابات وهرب جميع معارضيه الى دول العالم من ملاحقة اجهزته الامنية، وكان يجري بين فترة واخرى استفتاء رئاسي للبقاء في الحكم لم يوجد فيه منافسين، ووصف حكمه بالدكتاتوري، ومنح مسؤولية ادارة الدولة لمقربين له وكان اعتماده ينصب على عناصر منتمين لطائفته السنية العربية بالرغم من كونها تمثل اقلية بالنسبة الى سكان العراق المتنوعين بين الشيعة والاكراد والمسيحيين واقليات عرقية ودينية اخرى مختلفة.

يقول عبد الجليل محمد 54 عام معلم تاريخ شيعي عربي يسكن في الكرادة شرق بغداد quot;حرمت من وظيفتي التي احبها بسبب اتهامي بالانتماء الى حزب سياسي واضطررت الى بيع السجائر على الرصيف سنوات عديدة حتى بيتي البسيط قمت ببيع أجزاءه بسبب الحصار الاقتصادي طيلة سنوات التسعينات الذي فرض على العراق نتيجة حروب صدام المتواصلة والتي لم يسلم منها الجميع العرب وغير العرب خلعت الابواب وبعتها ثم الشبابيك والاثاث وأواني الطبخ، حتى ابني الكبير حينما قرر ان يدرس الطيران لم يتم قبوله لانه فشل في الحصول على موافقة امنية لانني كنت متهما بالانتماء الى حزب سياسي قبل ثلاثين عام، والعجيب انني لم ارتكب جريمة او جناية وكل ما فعلته ان لي اصدقاء شيوعيين ودفعت ثم هذه الصداقة لمدة ثلاثين عام من الحرمانquot;.

لم يتوقف عبد الجليل عن التحسر طيلة حديثه واخراج اهات متتالية من فمه ويضيف quot;اصبحت اضع اللون الاسود على شعري بعد عام 2003 فقد شاب كله من اجل ان اشعر بسنوات شبابي التي ضاعت، وعدت الى وظيفتي لانني من المفصولين السياسيين، واصبح في بيتي الان جهاز ستلايت واجهزة تكييف وصار ولدي ضابطا في الشرطة ورممت ما تهدم من بيتي وصار عيد ميلادي الثاني 9/4/ 2003 ذكرى سقوط تمثال صدام حسين وسط بغدادquot;.

يقول عبد الجليل quot;معنى الوطن ان تكون لك حقوق فيه لا يمنحها لك احد بل هي موضوع بديهي كما لك واجبات تجاه الوطن لا تفرض عليك بالقرارات، وهذا ما اشعر به الان بعد خمس سنوات من حرب حرية العراقquot;.

يشعر العراقيين ان مكاسب عديدة قد حصلوا عليها خلال السنوات الخمس الاخيرة كانت تعتبر من الاحلام بالنسبة الى سنوات حكم صدام حسين فدخل المواطن قد ارتفع الى اضعاف عديدة والحريات الشخصية مكفولة اضافة الى حرية التعبير والانتماء السياسي والفكري، واصبح بمقدور العراقي الحصول على جواز سفر على الرغم من وجود تعقيدات من دول جوار العراق الا ان الحكومة العراقية لم تضع قيود امنية او سياسية على سفر المواطنين الى خارج بلدهم.

العراق الذي كان مغلقا امام الداخلين اليه وسجنا للذين يعيشون فيه اصبح منفتحا امام عالم الاتصالات بكافة انواعه وانتشرت شبكات الانترنيت التي كانت محضورة ومراقبة من قبل الاجهزة الامنية لنظام صدام حسين، وتتنافس شركات الهاتف النقال على تقديم خدماتها، اضافة الى ان اغلب البيوت العراقية تطلع على كل ما يدور في العالم عبر قنوات البث الفضائي الممنوع ايضا سابقا.

الصراع الطائفي بين السنة والشيعة خلال العامين الاخيرين عقب تفجير المرقدين المقدسين للشيعة في مدينة سامراء شمال بغداد هو العقبة الاساس امام احلام العراقيين في بلد امن ومستقر اضافة الى نشاط تنظيم القاعدة وعملياته الارهابية التي تستهدف القوات الأمريكية والمدنيين العراقيين على حد سواء.

ووفق الانتماء الطائفي تتشكل المواقف بين مؤيد لاسقاط صدام حسين ومعارض له وبين مستفيد من مكتسبات العهد الجديد وبين من تعرض لخسائر مادية ومعنوية.

فالشيعة الذي يشكلون تقريبا نصف سكان العراق ويسكنون في جنوبه الذي يضم تسعة مدن كبيرة من اصل ثمانية عشر ثلاثة منها للاكراد وثلاثة مدن اخرى تعتبر خليط من القوميات والاديان وبقي ثلاث مدن يسكنها السنة، يعتبر الشيعة اكثر المرحبين بالتغيير كونهم حصلوا على مكتسبات كانت مخصصة حصريا للسنة، كما يشعر الاكراد انهم الرابح الاساس بعد ان صارت لهم اليد الطولى في صنع القرار السياسي في الوقت الذين عانوا فيه من العزلة التامة ابان حكم الرئيس السابق وصودرت جميع حقوقهم المدنية والانسانية.

دياري ملا حسن 41 عام من سكنة مدينة اربيل الكردية شمال العراق يعمل في تجارة الالبان يقول quot;توقفت اعمال اغلب الاكراد بسبب سياسات نظام صدام حسين وكنا نصنف على اننا مواطنين من الدرجة الثانية، لكن الان اصبح رئيس الجمهورية كردي ولدينا عدد من الوزارات واعضاء في البرلمان وتحسنت تجارتنا وحياتنا المعيشية واصبحت اتحدث بلغتي الكردية دون خوف، وكان اخي يقاتل مع المليشيا الكردية quot;بيشمركهquot; في الجبال ولا استطيع رؤيته لسنوات اصبح الان يعمل في الجيش العراقي ويزورنا باستمرارquot;.

ويضيف دياري quot;في العهد السابق كانت توجد فئة قليلة من العراقيين تستمتع بكافة الحقوق اما الان فاصبحت الاكثرية هي التي تتمتع بخيرات البلد على الرغم من ان الاوضاع لا زالت غير مستقرة لكن نشعر انها تتطور ان الدولة في طريقها الى النهوضquot;.

الخمس سنوات التي بدأت في عام 2003 كانت مليئة باحداث ساخنة لم يتعود على مثلها العراقيين ففي الوقت الذي عاشوا فيه ثلاثين عام تحت حكومة واحدة يعيشون الان تحت حكم ثلاث حكومات خلال خمسة اعوام، وحين كانت السلطة لا يمكن الوصول اليها الا عن طريق الانقلابات اصبح صندوق الاقتراع هو الفيصل في ذلك.

يوصف المتعاطفون مع النظام السابق بانهم يقاتلون في حرب خاسرة وان على الجميع الخضوع لعجلة التطور ما دفع البعض منهم الا ارتداء ثوب العهد الجديد والدخول في العملية السياسية وترك السلاح الذي رافق البلد من تأسيسه، لكن بعضهم يشعر بالحنين الى الماضي.

ستار المجمعي 38 عام من سكنة مدينة ديالى الساخنة شمال شرق بغداد كان ضابطا في جهاز الامن في زمن حكم صدام حسين يقول quot;لا يمكن لاي شخص ان يستيقظ صباحا ويجد نفسه مجردا من كل شيء ويقف مكتوف الايدي، فقد جردنا من المال والسلطة واصبحنا حتى ننكر اصولنا ومهنتنا ونغير حتى بطاقاتنا الشخصية، ويحكم بلدنا المحتلون اضافة الى ان الحكام الحاليين يعملون لصالح ايران ومصالحها في العراق والمنطقة، ويجب علينا ان نترك كل امتيازاتنا لاشخاص اخرينquot;.

ويضيف ستار quot;ان صدام حسين كان يتهم بانه نظام بوليسي ويقتل الناس في مقابر جماعية ولدية سجون عديدة ويهجر المعارضين وانه خرب البلد، ولكن ما يجري الان لا يختلف فايضا توجد سجون وقتل على الانتماء الطائفي واعداد كبيرة من العراقيين قد هارجوا، فما هو الفرقquot;.

للعلمانيين والديمقراطيين اراء مختلفة عن تقف في موقع الوسط بين انصار النظام السابق ومؤيدي الحكومات الحالية ويعتبرون ان سقوط نظام الحزب الواحد يعتبر انجاز كبير لكن في ذات الوقت فان بقاء الاسلام السياسي في سدة الحكم سيقود الى دكتاتورية دينية جديدة.

وعلى الرغم من ان العامين الاخيرين كانا في اعلى درجات العنف والتراجع الامني والاقتصادي والخدمي لكن العامين الاولين من الحرب ايضا يستذكرهم العراقيين بانهم كانا عامين للحرية والانفتاح الكبير على العالم والتحسن المعاشي، ولعل بوادر التحسن هذا العام يحي في اذهانهم احلام لمستقبل افضل.