تطبير الاطفال في مواجهة مع القانون باوربا

عدنان ابو زيد: وضع عدد من الاباء المنتمين الى الطائفة الشيعية موقفهم في موقف محرج حين استدعتهم السلطات الهولندية في مدينة تلبرغ لانهم سمحوا أو حرضوا quot; ابنائهم quot; على شج رؤوسهم بالسكاكين خلال احتفال ديني أقيم في

هولندا بمناسبة ذكرى عاشوراء التي تجسد مقتل الامام الحسين. وقال عبد الحسين احمد أن السلطات الهولندية تفهمت quot;بصعوبةquot; الامر، وحذرت من تكرار ذلك لاسيما مع الاطفال. ويرى كامل حسن وهو مهندس يعمل في شركة quot; فيليبس quot; الهولندية، ان استيعاب الاوربيين لمشاهد الروؤس التي تسيل منها الدماء امرا صعبا، لاسيما في ظرف تشتد فيه الهجمة الاعلامية الغربية على المسلمين، ومحاولات ربط المسلمين بالارهاب.

ونشرت صحيفة quot; دروم بترquot; الهولندية المحلية مشاهد لرجال يشجون رؤوسهم بالسيف وحذرت من انها ممارسات quot; اسلاميةquot; عنيفة يجب ان لايراها الاطفال.

وأحيا مئات الالاف من الشيعة في العراق ودول اخرى ذكرى عاشوراء التي تجسد مقتل الامام الحسين عبر ممارسة مختلف انواع الطقوس وخصوصا التطبير واللطم بquot;الزناجيلquot; وزيارة ضريح الامام الحسين في كربلاء بالعراق. ويحيي الشيعة واقعة الطف حيث قتل جيش الخليفة الاموي يزيد بن معاوية الامام الحسين مع غالبية افراد عائلته العام 680 ميلادية.


لكن من ابرز الطقوس المثيرة للجدل في هذه الذكرى، هو quot; التطبير quot; الذي تتخلله مشاهد شج الرأس بالسكين والسيف يشارك فيها الكبار كما الصغار، مرتدين
ملابس بيضاء، في اشارة الى الاكفان والاستعداد للتضحية. لكن هذه المشاهد quot; الدموية quot; غابت عن العراقيين طوال عقود من حكم الرئيس العراقي السابق صدام حسين الذي منعها بصورة تابعة وعاقب من يديرها أو يمارسها، وكانت الشرطة السرية تجوب الاحياء في مثل هذه الاوقات لاعتقال اي شخص يبدي مبالغة في التعبير عن شعائره الحسينية لاسيما التطبير منها.


لكن مشاهد الملابس البيضاء المبتلة بالوان الدماء الحمراء ظلت راسخة في الذاكرة الشيعية العراقية على رغم منعها. واذا كانت قد منعت هذه الشعائر في السابق فانها تعود اليوم بقوة في الشارع العراقي، مثلما تمارس اليوم في دول اخرى يتواجد فيها الشيعة كلبنان وباكستان وتركيا والهند.غير ان quot;تطبيرquot; اوربا أثار لغطا اعلاميا وقانونيا في عدد من مدن الغرب، كما حدث في المانيا وهولندا، حيث استدعت السلطات أولياء امور اطفال شجت رؤوسهم، ووضعتهم امام المسائلة القانونية، كما حدث العام الماضي.ويستورد شيعة اوربا سلاسل الضرب على الظهر وادوات quot; التطبير quot; الاخرى من ايران ولبنان والعراق وباكستان،حيث تستورد تحت اسماء وتصنيفات اخرى لكي يسمح بادخالها الدول الاوربية.

وتعريف quot;التطبير quot; بحسب الشيخ حسين تومان وهو رجل دين عراقي قيم في هولندا هو شج الرأس أو شق أعلى الجبين وإسالة الدم بالسيف يصاحبه ضرب بالسلاسل على الظهر، وكل ذلك يترافق مع صرخة quot;يا حيدرquot;.ويرى الشيخ quot; تومان quot; أن هتاف quot; حيدرquot; مع كل ضربة توفر للفاعل طمأنينة حيث تحرسه ملائكة تعوضه بالدماء التي تسكب على ملابسه وفي الارض.

وتعتري حسين تقي وهو عراقي يقيم في لاهاي في هولندا طاقة روحية ولذة نفسية حين يؤدي مهمته هذه كل عاشوراء مع مجموعة ارتأت ان تتواصل مع طقس ( ديني ) مارسوه مذ كانوا صغارا ولم ينقطعوا عنه في اماكن إقامتهم الاوروبية. ورغم ان (الشيعة ) تنقسم بين مؤيد ومعارض للتطبير،الا ان ذلك لم يمنع من تزايد انتشار الظاهرة التي تشمل حتى الاطفال في الوقت الحاضر.

ومن مراجع الشيعة من حرم شج الرأس مثل موسى الصدر، ومحمد مهدي شمس الدين في كتابه quot;ثورة الحسين في الوجدان الشعبيquot;، ومحمد حسين فضل الله. وكان فضل الله قال إن السيف الذي ينتقل من رأس إلى رأس تنتقل معه الأمراض، وخصوصاً مرض العصر quot;الإيدزquot; بحسب تصريحة لجريدة الوطن السعودية في 11-1-2008.

كما دعا فضل الله العلماء الى تحمّل مسؤولياتهم إزاء الممارسات المسيئة وتوجيه الناس إلى تكليفهم الشرعي، وليس تشجيع العواطف التي يمكن أن تنحرف إلى الخرافات والتطبير (ضرب الجسد بالسلاسل والسيوف ولبس كفن أبيض) وممارسات إيذاء النفس باسم الإسلام على حد قول فضل الله. وقال فضل الله في تصريح لـجريدة الوطن الكويتية إن التطبير يسيء إلى الإسلام؛ باعتبارها تجعل من ذكرى عاشوراء مناسبةً لتعذيب النفس وجلد الذات. لكن سعيد عبد الحسين لايرى ضيرا في التطبير، فهو حالة استنفار عاطفي مع شهادة الحسين. ويضيف ان ( التطبير) هو ارهاب لاعداء الأمة، يظهر شيعة العالم فدائيين، يبذلون أرواحهم لنصرة أهل البيت والمذهب.

ويعتقد علي جارم وهو لبناني يعيش في هولندا ان التطبير كان سلاح مقاومة فريد في النبطية عام 1983، وجعل جنود إسرائيل يفرون هلعا من نداء..حيدر..حيدر على حد قول جارم.

وفي اوروبا ومنها هولندا والمملكة المتحدة يحدث التطبير في اماكن معزولة بعيدة عن اعين الاوروبيين، ويقوم به بعض مرتادي الحسينيات في عاشوراء، ويؤمن عباس حسين المقيم في هولندا مستلزمات التطبير للعراقيين المقيمين في هولندا. ويقول عباس ان اعداد المشاركين في فعاليات التطبير تزداد كل سنة، ولم تقع حوادث عكس ما يشاع.
ويفلسف عباس الامر على انه شحذ للعاطفة وتذكير بالتاريخ، كما انه يشجع على اظهار جبروت الشيعة في quot;مقامة الاحتلال quot; كما في لبنان والعراق على حد قوله. وينتشر (التطبير) في كل الدول التي يتواجد فيها الشيعة وتنظم مواكب( تطبير) خاصة حيث يحدث (التطبير) في الشوارع كما في لبنان والعراق والبحرين.

وبينما يفتي البعض في جوازه كما تتحدث كتب التاريخ عن الشيخ الأميني الذي كان يجلس يوم عاشوراء في صحن الإمام الحسين في النجف محييا مجاميع (التطبير)، فان حسن نصر الله يرى فيه موهنا للمذهب الشيعي وغير جائز أيضا. كما أكد أن من غير المناسب أن تسير النساء في مواكب العزاء باللطم وضرب السلاسل.

ودعا علماء الشيعة في السعودية إلى تجنب ممارسة التطبير و الممارسات المرتبطة بـعاشوراء، مثل التطبير وهو جرح مقدم الرأس بآلة حادة، واللطم وضرب الصدر.

وقال اياد جواد لوكالة الصحافة الفرنسية (45 عاما) وهو احد المشاركين بشعائر التطبير quot;نقوم بذلك استذكارا لواقعة الطف، ونصرة لامامنا الحسينquot;.

ويؤكد بشير نجم (46 عاما) الذي يمارس شعائر التطبير منذ سقوط النظام السابق quot;لا اشعر باي الم عندما اقوم بالتطبير (...) نحن نؤدي الامانة التي في اعناقناquot;.

وزيارة كربلاء خلال ايام عاشوراء تعتبر من اقدس المناسبات الدينية لدى الشيعة، حيث يشارك اكثر من مليون شخص يصل معظمهم سيرا على الاقدام من مناطق متفرقة في العراق.

واحيت معظم مناطق الشيعة في العراق الذكرى عبر quot;التشابيهquot;، اي تمثيل واقعة الطف او ما يعرف بالسيرة الحسينية، فضلا عن ممارسة طقوس اللطم والضرب بالزناجيل فيما مرت مواكب التطبير امام ضريح الامام موسى الكاظم وحفيده محمد الجواد في الكاظمية صباحا.

وقد شاع مؤخراً أن السلطات العراقية قررت حظر الجانب العنيف من الطقوس. إلا أن رئيس مجلس محافظة كربلاء، عبد العال الياسري، سارع إلى نفي هذه الأنباء. ونقلت عنه الوكالة الشيعية للأنباء قوله quot;لا صحة للشائعات التي ترددت في مدينة كربلاء عن حظر ممارسة (التطبير) ولا أحد يستطيع منعها.quot; وأضاف الياسري quot;إن جميع الشعائر الحسينية مسموح بها ومكفولة في الدستور العراقي، وان بإمكان أي مواطن ممارسة جميع هذه الشعائر بما فيها التطبير دون أي قيدquot;.

غير ان بعض الشيعة يرون في quot; التطبيرquot; ممارسة خارجة على تعاليم الاسلام. ويرى كريم الدراجي وهو رجل دين عراقي يقيم في هولندا انه يمكن التعبير عن الحب لأهل البيت عن طريق التبرع بالدم لمساعدة المرضى باسم الحسين.
وفي الثلاثينات من القرن الماضي تصدى المرجع الشيعي الأعلى الشيخ محسن الأمين العاملي لهذه الظاهرة، فأصدر فتوى بتحريمها وتلقى التأييد من المرجع الشيعي السيد أبو الحسن الأصفهاني ولفيف أخر من علماء الدين في النجف الأشرف وكذلك من المثقفين الشيعة أمثال هبة الدين الشهرستاني وجعفر الخليلي. كما هو الآن ممنوع في إيران الإسلامية بفتوى من مرشد الجمهورية آية الله خامنئي.

ويجمع المؤرخون على رواية أن أول عزاء رسمي أقامه البويهيون السنة 353هـ. بينما ربطته روايات أخرى بظهور جماعة التوابين الذين خذلوا الحسين بعد مكاتبته بالقدوم إلى الكوفة بزعامة سليمان الخزاعي. وغالى آخرون برفعه إلى طفولة الحسين، وتحدثوا بـحديث مأتم الميلاد في حياة والدته الزهراء.

وكان مثقفون وناشطون شيعة عرب اصدروا العام الماضي بيانا دعوا فيه الى تصحيح مسار الطائفة الشيعية في الوطن العربي. ووقع البيان 11 كاتبا وناشطا، غالبيتهم من السعوديين دعوا الى مراجعات فكرية لأركان اساسية في المعتقدات الشيعية ومنها نظرية quot;ولاية الفقيهquot;، معلنين رفضهم لنظام المرجعية والتقليد.
وحمل البيان 18 بندا تدعو لمراجعات فكرية وعقيدية وسياسية، منها ممارسات التطبير والدق على الصدور في طقوس عاشوراء ودعوا أبناء الشيعة الى مراجعة ممارستهم لبعض الشعائر الدينية، كالضرب على الصدور والتطبير وضرب الظهر بسلاسل حديدية، مؤكدين ان هذه الممارسات لا تجلب سوى تنفير المسلمين وغير المسلمين من الإسلام والتشيع .( الصور من رويترز)
[email protected]