سيعرف القارئ الكريم لاحقا لماذا عكس المثل " مغني الحي لا يطرب" . تعود القضية إلى يوم إعلان تشكيلة السفراء العراقيين الجدد عندما اتصل بي صباحا دون عادته ممتهن سياسة، عراقي كان محايدا بين النظام والمعارضة يخبرني عن السفراء العراقيين الجدد ذاكرا اسم اكثر من واحد اعرفه لا يمكن أن يمثل قرية صغيرة ليس في العراق فحسب، وإنما في إيران أيضا. لم اصدق ذلك وقلت له أنها دعاية ضد العراق الجديد. قال بأنها الحقيقة. ذهبت سريعا إلى بريدي لأجد القائمة كاملة وكان من ضمنها تلك الأسماء التي ذكرها وغيرها. اتصلت به موضحا وان كان في القائمة ذلك الشخص وغيره الذين وصفهم لا يعرفون أي لغة أجنبية وحتى عربيتهم فيها لكنة فارسية، لكن القائمة تضم أسماء لامعة مثل حسن العلوي وصلاح الشيخلي (الذي اختلف معه فكريا)، علي علاوي، كلهم جديرين أن يمثلوا شعب حضارته سبعة آلاف سنة وتعداده سكانه 25 مليون إنسان، يضم قوميات متعددة ودينات مختلفة. قال حتى وان كان هؤلاء الذين ذكرتهم فعددهم لا يتعدى أصابع اليد، ولكن فيها أيضا اكثر من واحد على نفس مستوى الأول جاء تعينه احتقار للعراقيين وتأريخهم. قلت إلى هذه الدرجة لا يصلح هذا وذاك ؟ قال:" هل يمكن أن يكون سفيرا للعراق من كان موظفا صغيرا في السفارة الإيرانية. عاش على حسابها تدفع له الراتب والسكن والتلفون والسيارة ؟ وأضاف يقف أمام أي موظف فيها كأنه تلميذ مدرسة ابتدائية . أن البلد الذي سيكون فيه سفيرا ستحصل إيران على سفارتين بدل واحدة. وسأل:" ما الفرق إذا بين نظام صدام حسين والعراق الجديد؟ " إذا كانت السفارات العراقية في السابق مراكز استخبارات حزبية وسفراء العراق اغلبهم من نوع صاحبنا، فان العراق الجديد اكثر تخلفا من النظام السابق، لان هناك كان حزبا واحدا يسير السفارة أما اليوم فمجموعة أحزاب تتقاسم التحكم في السفارات وموظفيها، حسب مصالحها الحزبية. أن هؤلاء يا سيدي يمثلون أحزابهم و مذاهبهم الدينية وعشائرهم وقومياتهم، أما العراق، إن كان لدي البعض فلدي الأغلبية يأتي في المرتبة الأخيرة. لم استطع أن استمع أكثر وشعرت بالغثيان وان كان ذلك صحيحا فهو يصيب الوطني العراقي بذبحة في القلب. وتذكرت، ما اقترح على وزارة الخارجية من اسماء تمثل الكفاءة العلمية والوطنية وهي جديرة بتمثيل العراق، ومن هم اساسا من عوائل مثلت العراق الموحد بجدارة خلال العهد الملكي والجمهوري الاول واسماء لامعة على الصعيدين العلمي والاجتماعي والنظالي ايضا، ولكن لم يعين واحد منهم. ويقول الدكتور عدنان الباجة جي،وزير الخارجية الاسبق والدبلوماسي العراقي حول قائمة السفراء في الشرق الأوسط ليوم 28.7.2004:"للاسف هذا ما حدث في مجلس الحكم وما كنت اتمناه او اريده وقد اجبرنا على اعتماده مثلما ذكرت في تشكيل الحكومة والتعيينات، بالنسبة لقائمة السفراء فمن رشحناهم نحن يتمتعون بخبرات علمية ومن حملة الشهادات العليا ولهم خبرات في العمل في وزارة الخارجية والعمل الدبلوماسي. وكسفير سابق للعراق اقول ان الدبلوماسية العراقية كانت واحدة من افضل الدبلوماسيات في العالم وكان السفير يتعرض لعدة اختبارات حتى يحتل هذا المنصب الرفيع، وأحد هذه الاختبارات امتحان نقدم من خلاله اطروحة تشبه اطروحة الحصول على شهادة الدكتوراه. واذكر اني عندما كنت سفيرا للعراق في واشنطن قدمت اطروحة عن نظام الرئاسة في الولايات المتحدة وتم طبع الاطروحة. والجدير بالذكر ان الاطروحة كانت تكتب باللغة الاجنبية التي يجيدها السفير وليس باللغة العربية. تذكرت أيضا كلام هوشيار زيباري، وزير الخارجية عندما بين حيثيات اختياره لمجموعة سفراء العراق، حيث مجد بهم وأطرى على مواهبهم، وأكد على كونهم من حملة الشهادات العليا. والأمر يحدث أول مرة فعلا ، حيث كان ممثل العراق في الخارج أيام نظام صدام حسين ينحدر من مجموعات إرهابية لحزب البعث وأقبية المخابرات وأكثرهم ساهموا بقتل العراقيين وكانوا متعطش للدمائهم، وكانوا من حثالة المجتمع العراقي أخلاقيا وثقافيا. وأنا اصدق الوزير في هذا بالنسبة لسفراء النظام السابق، ولكني وددت أن اعرف أي شهادات يحملها العديد من سفرائه الجديد؟ وهل يستطيع السيد الوزير أن ينشر عن كفاءتهم العلمية والعملية أو إجادة اللغات الأجنبية مثلا ؟ وهل هناك معيار حدد بموجبه اختياره ممثلي العراق الموحد بقومياته ودياناته وكفاءة أبنائه ؟ ذكرت بعض المصادر المضطلعة في لندن يوم الأربعاء 21/7/2004 بان تعيين السفراء تم على أساس المحاصصة الحزبية والطائفية والقومية والترشيحات الشخصية من قبل الرئيس غازي الياور ورئيس الحكومة أياد علاوي والأحزاب التي لها حضوه في وزارة الخارجية، من غير الاعتماد على الخبرة الدبلوماسية التي يتمتع بها السفير المعين أو تحصيله العلمي. ونفت هذه المصادر أن يكون الحاكم المدني الأميركي السابق في العراق، السفير بول بريمر، قد تدخل في هذه التعيينات قبل مغادرته العراق في 28 الشهر الماضي. أن ما قامت به الخارجية العراقية وموظفيها الذين تسلقوا جدرانها الخلفية، يعطي انطباعا بأن ذلك تم حسب نفس الشروط التي تم فيها تعيين أعضاء مجلس الحكم ومن ثم تشكيل الحكومتين المؤقتتين، الأولى والثانية. وعندما تشكل مجلس الحكم على أساس المحاصصة دافع الوطنيون العراقيون عنه بقوة على أساس انه افضل ما يمكن أن يكون. وجاءت الوزارة الأولى بالمحاصصة أيضا ودخلت فيها عناصر لا تصلح أن تكون جابي في حافلة عامة وقال المخلصون:" أنها فترة انتقالية". وعلقت قضية المحاصصة على مشجب الاحتلال في دوائر الدولة ومجلس الحكم وتعين الوزراء. أما بعد وزارة أياد علاوي المحاصصية قيل أنها افضل من الأولى لأنها تضم العديد من الكفاءات، لكن وزارة الخارجية ذهبت بعيدا في المحاصصة الحزبية والطائفية فالقضية مقلقة فعلا. هل نسي السيد علاوي وهو الذي تعلم في الغرب وتدرب على قيادة العمل العام في الولايات المتحدة أن هناك اجهزة يجيب ان تكون بعيدة عن المحاصصة الحزبية والدينية، مثل وزارة الخارجية والدفاع وأجهزة الأمن ؟ أليست الولايات المتحدة الحليف الأول والأخير للنظام العراقي الجديد ومعلم اغلب القيادات الحالية تلك التي في الوزارة او في قيادة الاحزاب، فلماذا لا تكون مثالا في تعاملها مع وزارتي الخارجية والدفاع ؟ فقد ذكرت الوكالة الفرنسية للأنباء يوم الخميس 22/7/2004 ما قاله وزير الدفاع الأميركي دونالد رامسفيلد بأنه سيبقى خارج الحملة الرئاسية وانه لن يشارك في مؤتمر الحزب الجمهوري المقبل.وأوضح رامسفيلد خلال مؤتمر صحافي عقده في "البنتاغون":" أن "الرئيس جورج بوش" طلب مني عندما تسلمت مهامي وكذلك من وزير الخارجية كولن باول البقاء خارج السياسة وهذا ما قمنا به". وأكد انه لا هو ولا باول سيشاركان في مؤتمر الحزب الجمهوري الذي سيعقد ما بين 30 آب والثاني من أيلول في نيويورك، للإعلان رسميا عن ترشيح بوش لخوض الانتخابات الرئاسية لولاية ثانية في الثاني من تشرين الثاني المقبل. وتابع رامسفيلد:"انه موقف الرئيس وأنا موافق على ذلك ومرتاح له جدا". وقال انه يجب أن يبقى خارج السياسة "لأننا في حالة حرب". أضاف:" يجب أن نهتم بالأشياء الجدية. يجب أن نواصل التركيز على هدفنا، الذي هو الدفاع عن الشعب الأميركي ضد اعتداءات إرهابية أخرى".
يسأل المرء نفسه كيف سيتعامل هؤلاء السفراء " الجهلة " مع جالية عراقية يصل عدد أفرادها أربعة ملاين شخص اغلبهم من طلائع المثقفين العراقيين، العلماء والأدباء والكتاب والصحفيين والفنانين والمهندسين والأطباء ؟ وأي دولة سوف تحترم حكومة سفيرها يدافع ويتفانى من اجل مصالح دولة أخرى وقوميتها ؟ وأي عراقي سوف يرتبط بوطنه إذا وجد ممثليه هم نفسهم، من مخلفات النظام السابق وزيد عليهم نوعية غير كفوءة من العراق الجديد كسفراء ودبلوماسيون ؟ أهذا العراق الذي انتظره العراقيون اكثر من ثلاثة عقود من الزمان؟ ان ممثلي الاحزاب والاحزاب جميعها لا تصل في تمثيلها عشرة في المائة من الشعب العراقي ، هذا إذا اجري استفاء حر لمعرفة ثقلها السياسي في الشارع، فاين ممثلي العراقيين الباقين؟ إن تلك ألاخفاقات وخيبات الأمل التي دخلت أفئدة الكثير من الوطنين العراقيين سوف لن تزيحهم عن الوقوف مع العراق المحرر وإعادة بنائه موحدا ديمقراطيا دون محاصصة حزبية أو قومية أو طائفية، لسبب بسيط لان القضية لديهم تهم " العراق أولا"، من زاخو إلى الفاو بدجلته وفراته من آخر نقطة على حددوه الشرقية إلى تلك الأخيرة على حدوده الغربية،وبجميع مكونات شعبه، من عرب وأكراد وتركمان وكلدانيين وآشوريين وصابئة مندائين ويزيدين ويهود. بديانات أهله الإسلام والمسيحية، الصابئية واليزيديه واليهودية.
لقد أوقف صوت العراقي الذي يتغنى بالعراق الواحد واستبدل بأصوات تمجد الحزبية والطائفية والقومية الضيقة، وبذلك شذ التلميذ عن القاعدة من انه افضل من أستاذه ونافس في تصرفه دول العالم التي لا زالت تعيش تحت قيادة الحزب الواحد والقائد الواحد. وهكذا لم يسمع السيد علاوي ولا زيباري صوت مطرب الحي "العراقي" وعوض عنه بمغنين لا يطربون، لأنهم ببساطة يغنون عن شئ آخر غير العراق.