لقد خضعت حكومة الفلبين لمطالب الإرهابيين، وقررت سحب (قواتها) الرمزية المتبقية في العراق (43) عنصرا. رغبة منها في إنقاذ حياة شخص واحد من مواطنيها. وهذا إن دل على شيء، إنما يدل بالدرجة الأولى على احترامها لحياة الإنسان، وإقرارها بواجبها في حمايته، وحقه في حياة حرة كريمة.
لا شك أن هذا القرار قد أثلج قلوب الإرهابيين الذين رأوا فيه انتصارا لسياستهم وعقيدتهم، التي يسعون منذ زمن طويل لقرضها، وفرض آرائهم وطروحاتهم بالقوة على الناس، وإعادة سيرة ونهج الغزاة الأوائل الذين استطاعوا بالسيف والقتل والترويع احتلال البلدان الأخرى، وإخضاع شعوبها لرغباتهم ومطالبهم وأطماعهم. ولا بد أن هؤلاء القتلة الإرهابيين قد استبشروا خيرا بقرار الحكومة الفلبينية، وبأن القتل والذبح قد بدأ يؤتي ثماره.
صحيح أن حكومة الفلبين قد تنقذ حياة أحد مواطنيها، وتفرح قلوب زوجته وأطفاله وأهله وأصدقاءه، لكنها ستكون مخطئة تماما إن ظنت أنها بقرارها هذا، ستتفادى شر الإرهابيين، وستكون بمنأى عن خطرهم مستقبلا.لأن العاقبة ستكون وخيمة، بعد أن استشعر الإرهابيون خوف الحكومة الفلبينية- المشروع والمطلوب- على حياة مواطنيها، وتأكدوا من ضعفها أمام حقهم في الحياة، وعدم قدرتها على مواجهة آلامهم وأحزانهم، وأنها امتثلت لأوامر الإرهابيين طمعا في إنقاذ حياة شخص واحد، فكيف بالأحرى لو كان الرهائن المهددون بالذبح بالعشرات، وما هو الثمن الذي ستدفعه الحكومة حين ذاك؟
لقد وقعت حكومة الفلبين في قبضة الإرهابيين، كما تقع الشعوب في قبضة الانقلابيين الصداميين. ولن تستطيع الفكاك من شرورهم بعد الآن، وستزداد ضغوطهم وحجم عملياتهم الإرهابية عليها، وفي عقر دارها، وسيرّوع ويخضع المواطنون الذين لا يملكون القدرة والتنظيم على مواجهتهم، ولن تستطيع حكومتهم- التي خضعت- حمايتهم، وستكون مطالب الإرهابيين في المرات القادمة أشد وأخطر بما لا يُقاس، خاصة وأن هناك حركات تمرد معادية للحكومة، تطالب بالانفصال عنها.
إن الخضوع لشروط ومطالب الإرهابيين يقوي عزيمتهم ويشحذ معنوياتهم، فهم لا يفهمون أهمية إنقاذ حياة إنسان، لأنهم لا يقيمون للحياة البشرية وزنا، ولا تعرف المشاعر الإنسانية طريقها إليهم. بل على العكس من ذلك يكرهون الحياة، ويعشقون الموت، كما صرحوا وصرح مشايخهم، لأن عقيدتهم تلزمهم بذلك وتؤكد لهم أن استعجال الموت يعني استعجال اللقاء بالحوريات الفاتنات، والتلذذ بهن، وبخدمة الغلمان، وأطايب الخمر، وأصناف الطعام.
إن السوداوية التي تملأ قلوب الإرهابيين، والأوهام التي تسكن عقولهم، والبداوة التي تعشش في نفوسهم، جعلتهم يستمتعون بذبح الناس وتقطيع أوصالهم وسمل عيونهم والتمثيل بجثثهم أحياء كانوا أم أمواتا لا فرق لديهم، لأنهم لا يستطيعون التمييز بين الحي والميت، فهم لا يملكون أية أحاسيس أو مشاعر أو عواطف بشرية، كل ما يهمهم إشباع غرائزهم.
إن أخطر ما في المسألة أن يصبح حاليا شعب العراق ، ومستقبلا بلدان المؤسسات والمنظمات التي تصدر الإرهاب رهينة بأيديهم. وتخطئ خطأ قاتلا دول المشايخ والمنظمات الإسلامية التي تزين لهم الجهاد أو تسمح بالترويج لهكذا دعوات، أو تغض الطرف عنها، بقصد دفعهم خارج حدودها لإبعاد شرهم عن البلاد والعباد، فتأجيل المواجهة معهم سيقويهم، لأنه سيعاد تصديرهم إليها، وسيكونون حينها موحدين، وأكثر تنظيما، وأقوى شكيمة وعزيمة، وأفضل تدريبا وخبرة، وأكثر غرورا، وسيروعون البلدان التي خرجوا منها بلدا، بلدا ، وينشرون فيها الفوضى والخوف والخراب والدمار ، وربما يكونون قادرين أن يفرضوا على حكوماتها الرحيل وأهلها الاستسلام.
[email protected]