لست أدرى لماذا يلفت نظرى أسم "بوركينا فاسو" أكثر من أى بلد آخر، وربما لو رزقنى الله ببنت لأسميتها "بوركينا"، ولو رزقنى بولد لأسميته "فاسو"!! والمشكلة التى قد تواجه سكان "بوركينا فاسو" عندما يسئلون عن جنسيتهم، فهل يقولون "بوركينى" أو "بوركانو" أو "بوركينى فاسوى" أو "فاسوى"، لست أدرى، وأعتقد أن هذه المشكلة تواجه العديد من سكان البلدان المركبة الأسم، مثل سكان "جزر القمر"، فهل جنسيتهم تعتبر "جزرى" أو "قمرى" أو "جزرى قمرى"، لا أدرى، ولكن المهم بعد البحث والتمحيص وجدت أن أهالى "بوركينا فاسو" يقال لهم "بوركينابى"!! وبوركينا فاسو كانت مستعمرة فرنسية تحت أسم "فولتا العليا"، وفى عام 1984 قرر أحد قادة الأنقلابات العسكرية الإفريقية تغيير الأسم الى بوركينا فاسو ويعنى الأسم فى اللغة المحلية " أرض الناس الدوغرى" أو بمعنى آخر أرض الناس المستقيمون!! و من دلائل إستقامتهم أنها واحدة من افقر دول العالم!! ويبلغ عدد سكانها 13 مليون نسمة يعمل %90 منهم فى الزراعة البدائية، وتقع فى غرب أفريقيا وتحدها مالى والنيجر وبنين وغانا وتوجو والكوت دفوار، و %50 من السكان يدينون بلإسلام، والفرنسية هى اللغة الرسمية وهناك أكثر من 60 لغة قبلية محلية، وهناك ديموقراطية حقيقية ويوجد سبع أحزاب رئيسية، والرئيس الحالى هو رئيس منتخب للمرة الثانية.
وهنا بيت القصيد ماذا يمكن أن تفعله الديموقراطية لواحدة من أفقر بلدان العالم وبها العديد من الأجناس العرقية والقبائل والديانات المختلفة واللغات المحلية المختلفة الكفيلة بتفتيت أى مجتمع، الديموقراطية ستعطيهم الأمل فى المساواة أمام القانون، مقاومة الفساد، محاولة تنمية الموارد الفقيرة لصالح كافة طوائف الشعب وليست لطائفة أو مجموعة محددة ، محاولة وضع كل تلك الطوائف فى بوتقة واحدة للعمل بروح الفريق، وليس بروح القبيلة، ورغم ذلك يبقى أمامهم تحديات كبيرة مثل تحديد النسل، تحديث التعليم، مقاومة الأمراض وخاصة الإيدز (والذى يقضى على حياة 44000 فرد سنويا فى بوركينا فاسو) ، ومرحلة تحديث التعليم هى المرحلة الأساسية لبناء بنية الإنسان الأساسية، وبعد ذلك يبدأ بناء البنية التحتية الإقتصادية مثل الطرقات وشبكات الكهرباء وشبكات التليفونات ومحطات مياه الشرب، وفى هذا ستحتاج البلاد حتما الى مساعدة البلاد الغنية، وبعد ذلك تبدأ مرحلة الإنتاج الإقتصادى من زراعة الى صناعة الى تجارة، والمرحلة الأخيرة هى الدخول الى مرحلة التصدير، والإنتقال من مرحلة ما تحت الفقر الى مرحلة الحياة الكريمة قد تستغرق أجيال كاملة، والإنسان بطبيعته غير صبور، وإيقاع الحياة السريعة زاد من توقعات الإنسان، فالناس تتوقع أن تتحسن أحوالهم بنفس السرعة التى يحصلون على المعلومات من شبكة الإنترنت، ولكن فى ظل الحرية والعدالة والديموقراطية سوف يكون هناك أمل ولو بسيط فى التقدم وخاصة بين الطبقات المسحوقة.
....
... وقد يتعجب القارئ، لماذا أتعب نفسى وأكتب مقالة عن (بوركينا فاسو) فى ظل الأحداث الجسام التى تحدث فى العراق وفلسطين والسودان وأفغانستان...، والحقيقة أننى أفضل أن أترك الكتابة عن الأحداث الكبيرة للكتاب الكبار، أما الكتاب الصغار مثلى فيكتفون بالكتابة عن الأحداث الصغيرة، والتى ربما تتحول الى أحداث كبيرة إذا أهملناها..

بالأمس أصطحبت إبنتى الى محل ملابس معروف بملابسه (الكاجوال) (لا أعرف ما هى ترجمة كلمة "كاجوال"، نريد أن نستفتى مجمع اللغة العربية والذى ربما سيضع معنى الكلمة بأنها تعنى :"الملابس التى تلبس فى المناسبات الغير رسمية")، المهم معظم ملابس هذا المحل ملابس قطنية، وكان مع إبنتى فتاة مراهقة أخرى فى نفس السن، وبالطبع البنات والسيدات ياخذن وقتهن فى التسوق حتى بدون شراء، وعرفت أن موضوع التسوق سيطول أمره، لذلك قررت أن أسلى نفسى بقراءة العلامات الموجودة على الملابس لكى أعرف البلد الذى إستوردت منه الملابس ووجدت التشكيلة الآتية من البلدان فى محل واحد (بدون أى مبالغة):
هونج كونج، بيرو، روسيا، الصين، الهند، جواتيمالا، الدومينيكان، المكسيك، باكستان، مدغشقر، ليسوتو، جنوب أفريقيا، فيتنام، كمبوديا، سنغافورة، أندونيسيا، بنجلاديش، سيريلانكا، الفيلبين، ماليزيا.

ولم أجد أى أثر لأى من البلاد العربية أو بوركينا فاسو!! وإذا فشلت البلاد العربية فى تصدير الملابس القطنية (الكاجوال) وهى أبسط الصناعات فى العالم وتساوت فى ذلك مع (بوركينا فاسو)، فقل على الدنيا السلام، وخاصة أن (البوركنابيون) يتفوقون على العرب حيث أن عندهم إنتخابات حرة، لذلك فليس من المستبعد أن نشاهد فى الأسواق يوما ما علامة "صنع فى بوركينا فاسو".

[email protected]